هذه الأزمة كشفت عن درجة عالية من الحقد الدفين عند دول وقادة كانوا دائماً في حسابات السوريين السياسية أخوة وأشقاء لا بل البعض منهم ضحى السوريون دفاعاً عن بلدانهم وقدموا لهم في محطات تاريخية مفصلية وهامة كل أشكال الدعم والمساندة، لقد كان بإمكان العرب وجامعتهم أن يلعبوا دوراً بناءً في حل الأزمة لو أنهم اتخذوا موقفاً متوازناً وحكيماً - بعيداً عن تفسيراتهم ورؤيتهم الخاصة لأسباب ما يجري وتوصيفاته - وذلك بحكم معرفتهم بطبيعتها وعناصرها وكذلك طبيعة التفكير السياسي للقيادة السورية وآلية التعاطي مع ثوابتها وقاموسها السياسي الذي يعرفون مفرداته جيداً.
ويأتي في طليعة هذه الأخطاء وقوف جامعة الدول العربية المبكر والمتسرع إلى جانب المعارضة الخارجية وتبنيها لوجهة نظرها ومطالبها المتمثلة بما أطلق عليها اسقاط النظام دون تبني وجهة النظر الداعية للحوار والإصلاح التي طرحتها الحكومة السورية ما أفقدها دور الوسيط النزيه والمقبول من طرف الحكومة السورية، والأكثر من ذلك اتبعت الجامعة أسلوب الضغط وفرض العقوبات الاقتصادية والتهديد بإحالة الملف السوري لمجلس الأمن في تعاطيها مع الحكومة السورية وهي تدرك طبيعة تفكيرها وردة فعلها على هكذا أساليب تمس مشاعرها وكرامتها الوطنية ومنظومتها الأخلاقية وآليات تعاطيها وردة فعلها الرافضة بقوة لهكذا أساليب لا تصلح أساساً لتكون لغة دبلوماسية مع قيادة يعلمون جيداً أنها لا تأخذ أو تقبل التعاطي بما درج وتربى بعضهم عليه بحكم تربيته وتأهيله السياسي .
ولعل الخطأ الجسيم الذي ارتكبته (الجامعة العربية) آنذاك هو قرارها اللاميثاقي بتعليق عضوية سورية في الجامعة ما شكل قطعها لشعرة معاوية مع الحكومة السورية وهو الذي نزع عنها دور الوسيط في الحل لأنها في ذلك ألغت من حساباتها الطرف الأساسي والفاعل والشرعي في الأزمة وهو الحكومة السورية ولعل المفارقة هنا هي أن مجلس الأمن الدولي كان أكثر حكمة وتوازناً من جامعة تسمى عربية يفترض أن تكون أكثر حكمة وقدرة وفاعلية على القيام بدور إيجابي في حل أزمة كان من الممكن احتواؤها قبل أن تستطيل وتتعقد بحكم الدخول الإقليمي والدولي السلبي في سياقاتها ما جعل منها أزمة دولية بامتياز .
إن حديثنا عن جامعة دول عربية لا يعني عدم إدراكنا ومعرفتنا حقيقة ما كان يجري في كواليسها وآليات القرارات التي تتخذها ومن هو الفاعل والمنفعل فيها لاسيما القطري والسعودي فالجامعة ليست برلماناً عربياً تتساوى فيه أصوات الأعضاء ديمقراطياً بقدر ما هي خلاصات لعناصر قوة وضعف لمجمل الدول المشكلة لها ومن يؤثر في خياراتها السياسية و هي بهذا المعنى تترجم - ومع الأسف - فائض قوة ونفوذ اقتصادي وسياسي وإعلامي عالمي في الكثير من قراراتها وتحديداً ما تعلق منها بالأزمة.
إن حاجز الصدّ الذي واجهته محاولات اتخاذ قرارات بمواجهة سورية في مجلس الأمن بحكم الفيتو الروسي الصيني الذي تكرر لأكثر من عشر مرات جعل بعض القوى العالمية تستعين بالجامعة العربية التي اختطفت من دول الخليج لتكون مكسر عصا لها وأداة ضغط وبديلاً عن ذلك المجلس الذي كان ذراعاً سياسية وعسكرية لها لعقدين من الزمن .
لقد أثبت الأحداث أن لا معنى ودوراً للجامعة في ظل غياب سورية ولا قيمة لقمّة عربية من دونها ما يستدعي الحاجة لعودة الجامعة عن قراراتها غير الميثاقية بحق سورية واستعادتها لمقعدها فيها لتستعيد الجامعة نقاءها العربي ودورها المأمول بأن تكون خيمة عربية لا غطاء لقوى خارجية أو فائض قوة لها وأن يعقب ذلك انعقاد لمؤتمر قمة عربي خال من المؤثرات والضغوط الخارجية لجهة التأسيس لعمل عربي مشترك يوفر أرضية مناسبة لعلاقات عربية عربية تنطلق من المصلحتين الوطنية والقومية وتفتح صفحة جديدة قادرة على توفير مناخ مناسب لتطبيع عربي عربي ينقذ الأمة وشعوبها من سطوة واضحة وعودة لحمى الاستعمار الذي يبدوا استعاد شهيته مستغلاً حالة الشرذمة والتشظي التي أصابت الجسم السياسي العربي لينفذ ناصباً خيامه في أكثر من دولة عربية في تحدّ واضح لمشاعرنا جميعاً وانتهاك سافر للسيادة في أكثر من بلد عربي ما يشكل ردة تاريخية لم تكن في حسابات أحد من هنا تبدو الحاجة لوعي متقدم يضع في الاعتبار أن الاستمرار في هذه الحالة من التراجع والانحدار ستأتي على الجميع ولن يفلت من تداعياتها أي بلد عربي ولا سفينة إنقاذ إلا من خلال جهد صادق وموقف عربي موحد . .