وإذا كان التسخين الإعلامي قد تعمد طمس التحديات القائمة عبر إبعادها عن الأضواء، فإنه كان عاجزاً عن سحب الاهتمام إلى حيث يريد، رغم الحملة المبرمجة التي لم يسبق أن شهدت هذا الصخب وتلك الضوضاء، والتي انسحبت عملياً على جدول أعمال قمتهم..
والأخطر في هذا السياق أنه أوصلها الى العتبة المستحيلة، التي يصعب معها البحث عن حلول وسط تنشل دوله وحتى شعوبه من التشظي على جبهات المواجهة, وأن تمنع استنزاف مقدراته على ضفتي الصراع المحتدم اليوم على ساحة المشهد الدولي.
ويبدو أن الباحثين عن كلمة السر في المصالحة بين أميركا والإسلام قد ضاعوا وسط الاستنتاجات المتضاربة، وفي ظل التفسيرات المتناقضة، التي تطرح إشكالية الفهم الحقيقي لهذا التحول، وإن ظلت العلامة الفارقة التي لا يمكن تجاهلها!!.
وإذا كانت الفكرة السائدة بأن القبول الأميركي وليد متغيرات دراماتيكية ترسمها الخارطة الجديدة، والمتشكلة في ضوء الممارسات التي تطوي عقوداً طويلة من المجابهة، أو في الحد الأدنى المناكفة المتبادلة، فإنها تبدو اليوم أقرب إلى مسرحية هزلية يتقن فيها الممثلون أدوارهم، رغم يقينهم بأنها أدوار مستنسخة من مشاهد ليست لهم، أو ملصقة بتداعيات لاتعنيهم.
فالمعطيات تؤشر إلى مقاربات مصلحية آنية يصعب على المنطق تقبل حضورها بالتوازي ، لكنها لاتكفي للإقرار بأحقية وجودها الفعلي، في ظل تكهنات واضحة بأن الخطاب الإسلامي قد تعرجت مفرداته والتوت مصطلحاته، من أجل تمرير المهادنة غير الموقعة، في حين نرى السياسة الأميركية وبحكم معاييرها الخاصة تتعاطى مع المشهد بسلاسة توحي بأن الالتواء في المصطلح الإسلامي كانت نتيجة فترة مساكنة, وإن كانت تفتقد لشرعيتها.
وعليه، فإن الحديث عن التوظيف الأميركي للإسلام السياسي بأدوار جديدة قد يقدم بعض التفسيرات الجزئية لهذه العلاقة الملتبسة وتحولاتها المريبة، وخصوصاً إذا ما اقترنت بقبول أطياف أخرى كانت حتى وقت قريب في الخندق الآخر، تفتح جبهاتها وتشنّ معاركها على الإسلام وتموضعاته القديمة والجديدة معاً.
وهذا ماتبرزه تحولات الساحة السياسية في المنطقة التي أوحت في بعض تجلياتها أنها قبلت بالأمر الواقع إلى درجة الالتزام الحرفي بنصوصه، والتجاوزات الحاصلة ليست أكثر من استثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها.
على المقلب الآخر كانت الحصيلة أن القبول الاميركي لم يكن أكثر من تكتيك آني، لتحقيق مهمة واضحة الأبعاد، تتلخص في استغلال حضوره وتوظيف سنوات كمونه السياسي والحاضن الشعبي لتدجين الإرهاب.
فالمصالحة الأميركية مع الإسلام التي دشنها الإعلان الملتبس عن مقتل بن لادن والتورية السياسية في تسويق الخبر، هي الرسالة الأولى التي بنت عليها واشنطن لفتح قنوات الاتصال، وأضافت عليها
«نياتها» في تهيئة الأرضية والمناخ لوصول الإسلام بصفاته ونماذجه المتعددة إلى السلطة في بلدان كانت تعتبر المعقل الاساسي للمواجهة معه أو الجبهة المتقدمة في الحرب الأميركية على الإسلام.
القاعدة التي يمكن الركون إليها للاستنتاج، أن الاستغلال السياسي الأميركي لحضور الإسلام هو المعادلة الجديدة، ولاسيما حين يقترن بمصالحات أفقية وعامودية بين تيارات السياسة بمكوناتها المتناقضة إلى حد الإلغاء.
وحين تصبح الخصومة الأبدية مجرد لافتة للتشويش على مسلمات العلاقة، فإن السؤال المحوري يظل هاجساً يصعب على الاسلام بتجمعاته وقممه الإجابة عنه من منظور الانزياح السياسي الذي رافق تلك المتغيرات وباتت الخصومة مجرد ذكريات سياسية من العبث العودة إليها.
والأدهى أن نرى في ازدهار الإرهاب البوابة التي تتلاقى فيها وحولها تلك التقاطعات، وتتحول نقطة الصراع والخلاف إلى عامل يجمع هذه العلاقة ويزيد من مساحات التفاهم عليها بين أميركا إسلامييها الجدد..وتصبح الحالة الإرهابية العامل الوحيد المتفق عليه بين الجانبين، ويكون فيه الارهاب المدجن بعباءاته الخليجية وردائه العثماني وأميركا وإسرائيل في خندق واحد.
a.ka667@yahoo.com