لا تجد للمبادرات طريقا, وتضع المصدرين بمساعدة الدولة أمام حالتين خطيرتين:
الأولى: تكوين وعاء احتكاري للقطع الأجنبي, وإجبار المستوردين للاستعانة بهذا الوعاء وحده, فزاد الطلب على محتويات الوعاء, الأمر الذي أدى إلى تشوهات غير طبيعية لها, عبر منظومة بعيدة عن أي معيار موضوعي يمكن أن تظهره الحالة العامة للسوق من خلال الصراع المتوازن أو غير المتوازن لمعادلة العرض والطلب, وهذا ما أدى بطبيعة الحال إلى خلق أسعار جديدة, ومنفلتة من عقالها للقطع الأجنبي, بحيث وصل سعر الدولار الناجم عن التصدير- وكما هو معروف- إلى أسعار فلكية زادت أكثر من 45% أحيانا عن السعر الحقيقي للدولار الذي تفرضه موازين العرض والطلب في السوق, وحتى في السوق السوداء له أيضا .
وإن كان هذا الأسلوب قد خلق نوعا من التوازن بين المستوردات والصادرات فهو بالنهاية توازن مشوه, ولا يعكس حقيقة الواقع, هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى فقد ساهم هذا الأسلوب في إضعاف قدرة منتجاتنا على المنافسة,لأن هذه الزيادة في سعر القطع سوف تنعكس بطبيعة الحال على حساب تكاليف المواد المصدرة ذاتها, لأنه مع اكتمال دورة القطع في استخدامه بالاستيراد, فإن أسعار المواد المستوردة سوف تزيد عن قيمتها الحقيقية بسبب تحميل فرق سعر قطع التصدير عليها, وهذا الفرق بدوره, سوف يحمل على المنتجات القابلة والتي تساهم في إنتاجها بعض تلك المستوردات, سواء كانت مواد أولية أم مستلزمات إنتاج, فتصل صادراتنا إلى الأسواق الخارجية بأسعار عالية. في الواقع.. يمكننا أن نلاحظ أن هناك حلقة مفقودة, لأن هذا التأثير المتبادل على أسعار الصادرات والواردات جراء ارتفاع سعر قطع التصدير, كان من شأنه أن يخلق توازنا تلقائيا استنادا إلى آلية السوق, فليس من مصلحة المصدر- بالنهاية- أن يبيع القطع الأجنبي الذي بحوزته إلا بالسعر الحقيقي تماما, كي لا ينعكس ذلك على إضعاف قدرته التنافسية, إلا إن كانت عمليات التصدير وهمية, إذ يجري هذا التصدير على الورق, كي يتمكن صاحب مثل هذه الصفقات من إدخال القطع الأجنبي الذي يكتنزه في الخارج ليقوم ببيعه هنا بتلك الأسعار الفاحشة وبطريقة نظامية.
وهنا تأتي الحالة الخطيرة الثانية المتمثلة بتغيير هدف التصدير من تسويق المنتجات الوطنية إلى مجرد تأمين دولار التصدير لاستثمار حالة الاحتكار تلك.
كما أن دولار التصدير الحقيقي, لا يرتفع هكذا عبثا وكيفيا, فهناك تكاليف غير منظورة, تدخل في عمليات تفعيل ارتفاع سعره, لأن المصدرين يدفعون الشيء الكثير من الأتاوى والرشاوى هنا وهناك قبل أن يتمكنوا من شحن بضائعهم, وإن كان أولئك الفاسدون, الذين يتطفلون على الصادرات,يفرحون بملء جيوبهم, دون حسيب ولا رقيب, معتقدين أن هذه الأموال مجرد حصة بسيطة من التاجر المليء أصلا, والذي لن يؤثر عليه هذا الأمر شيئا, وهذا الكلام التسويغي غير دقيق إطلاقا, لأن أي كلفة سوف تحمل على السلعة, وإن لم تحمل عليها فعلى قطع التصدير, وهذا ما يقود المستورد إلى تحميل السعر العالي على المستوردات, وفي نهاية المطاف نحن الذين نتحمل كل شيء, مواطنين ومستهلكين, لأنه بعد هذه الدوامة كلها ترتفع الأسعار, وينخفض مستوى المعيشة.. والكل يتفرج ...!