بهدف البحث الجاد عن الأساليب والآليات الأفضل التي تمكّن الحكومة الحد من آثار الأزمة, والإقلال ما أمكن من الخسائر التي قد تنذر بمخاطر كبيرة, ربما تصل إلى مرحلة الكارثة على الاقتصاد الوطني، إن لم تواجه بالحلول والمعالجات المناسبة...!
هكذا انبرى الفريق الاقتصادي وعلى مدى الأشهر الماضية، للبحث عن البدائل التي تقي من الوصول إلى حافة الهاوية, وخاصة بعدما توضحت معالم وخيوط المؤامرة التي حيكت وما زالت تحاك ضد هذا الوطن الكبير, فالعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب الاستعماري وأدواته الرخيصة على سورية, بدأت تترك آثارها السلبية على حياة الشعب السوري بكافة فئاته, وبالتالي فرضت الحالة التي وصلنا إليها جراء فنون المقاطعة والعقوبات على المعنيين بالشأن الداخلي بشقيه الاقتصادي والاجتماعي ضرورة البحث عن البدائل والحلول لمواجهة هذا الواقع المستجد, وكان من جملة السياسات المتبعة والتي اعتمدتها الحكومة كبديل حتمي للتعويض عن تلك العقوبات, سياسة التوجه شرقاً وخاصة نحو الدول التي ما زالت تحتفظ بعلاقات مميزة مع سورية, وفي مقدمتها الدول الصديقة مثل إيران والصين وروسيا وغيرها من دول تكتل البريكس, التي تشكل بمجموعها ما يقارب نصف سكان العالم وأيضاً تسهم بما يزيد عن 40% من الناتج الإجمالي للعالم , هذا الخيار الذي يعتبره البعض خياراً استراتيجياً كان وما زال الحل الأمثل للخروج من بعض آثار الأزمة إن لم نقل معظمها ...!
والآن وبعد كل المراحل التي اجتزناها نظرياً عبر أشهر الأزمة العصيبة, وما رافقها من أزمات وذيول لكل القرارات والمواقف التي اتخذت للنيل من سورية قيادة وشعباً, نتساءل هل استطعنا أن نترجم مضمون هذا الخيار بالشكل الأمثل كما نريد ونطمح...!؟ وقبل الإجابة علن هذا التساؤل نقول: عند الولوج في سياسة محددة أياً كان توجهها شرقاً أو غرباً, علينا أولاً أن نعدّ أنفسنا ونهيئ تشريعاتنا بما يتوافق مع تلك السياسة وأيضاً دعم قواعدها, بما يكفل النجاح من خلال توفير البنية التحتية والتشريعية المناسبة لهذا التوجه, وهنا وقبل التوجه شرقاً ايضاً لا بد من التركيز على ماهية الاتفاقيات التجارية والثنائية التي تربط سورية بتلك الدول وضرورة تطويرها وتقويتها, وبالوقت ذاته الانتباه إلى ماهية ونوعية المنتجات التي يتم تسويقها إلى الأسواق المستهدفة في تلك الدول, وعلى ضوئه الوصول إلى صيغة توافقية في التبادل التجاري الذي عرف بمبدأ المقايضة سلعة بسلعة أو منتج بمنتج آخر, مع الدول الصديقة والغاية هنا تكمن بالخروج الآمن من نتائج وآثار العقوبات الاقتصادية, وخاصة ما يتعلق منها في عمليات التحويل والتسديد بالقطع الأجنبي كقيمة المبادلات التجارية مع تلك الدول, هذه الصيغة خلقت ارتياحاً كبيراً بين مختلف الأوساط التجارية الرسمية وحتى الخاصة في البلدين المعنيين بالمقايضة، وهذا بحد ذاته بات يشكل حافزاً كبيراً للمنتج السوري بإمكانية تسويق منتجه إلى الأسواق المستهدفة من سياسة التوجه شرقاً، وتفعيل هذا المبدأ قولاً وفعلاً وبعيداً عن التنظير الذي مللنا منه طيلة سنوات الأزمة وما قبلها أيضاً, والمفاجأة التي ما زالت تقلقنا وتشكل هاجساً كبيراً لدى الأوساط التجارية على اختلافها تكمن في المعادلة غير المفهومة حتى الآن, إذا كنا غير قادرين على تفعيل وتسريع وتائر تنفيذ بنود الاتفاقيات الثنائية التي تربط سورية كما قلنا مع تلك الدول الصديقة, فكيف يمكن الركون إلى إمكانية تطبيق وتنفيذ شعار يقضي بالتحول جذرياً من اقتصاد مفتوح نحو الغرب وما يتضمنه من مخاطر, نحو اقتصاديات تختلف من حيث الشكل والمضمون وحتى بطبيعة ونمطية الاستهلاك السلعي كماً ونوعاً ....!؟
من هنا علينا أن ندرك أهمية تنفيذ وتطبيق سياسة التوجه شرقاً واعتبارها خياراً اقتصادياً استراتيجياً وليس فقط طوباوياً , لأنه سينعكس إيجاباً على واقع الاقتصاد السوري ويحقق تغييرات جذرية في بنيته, وبما يسهم بتحسين الواقع المعيشي للمواطن وأيضا تحسين وتطوير الاقتصاد الوطني كما نريد ونطمح ...!
ameer-sb@hotmail.com