ولم يكد السيد الأميركي يطوف في المنطقة حتى تبدلت ألسنتهم، كما تغيرت اتجاهات أيديهم ومن كان منهم معترضاً أنزلها، ومن كان متردداً رفعها طاعة واعترافاً بسطوة سيدهم، بعد أن اعتقد أو توهّم أن قبضته التي تراخت على مستوى المشهد الدولي يمكن أن تنسحب عليه، وفيهم من توهّم أنه بات خارجها، ولم يستطع أن يدرك أن ما يستوي على المشهد الدولي لا علاقة لهم به، وإذا خرج العالم كله من القبضة الأميركية سيبقون يدورون في فلكها لأنهم المرتزقة الذين اعتاشوا على فتاتها.
بين الخيبة من غياب تلك القبضة، وهم الذين هددوا بها مراراً وتكراراً، والمخاوف من انكشافهم على حقيقتهم بعد أن هدد الأميركي بسحب غطائه، كانت مرجعيتهم المعتمدة الإرهاب، وهو ما أدمنوا عليه وما اعتادوه بعد أن وقفوا خلفه، وأحيانا أمامه في دور وظيفي لم يتغير، وقد تسابقوا في خطب ود أحلافهم المستترة والمعلنة، وباتوا أكثر حميمية مع ما زرعوه ليكونوا أكثر التصاقاً بدورهم وبحليفهم الحقيقي إسرائيل التي يتسابقون للتنسيق الاستخباراتي معها.
كان بمقدور الكثير منهم ان يوفر على نفسه حرج العودة إلى السعار بعد أن سمع الكلام الأميركي، وهو الذي جربه دون طائل، ولمس أن ما يمسي عليه الأميركي هو غير الذي يستيقظ به، وما يقوله كيري على المنابر الإعلامية لا يعكس موقفه ولا دوره ولا مقاربات السياسة الأميركية على الطاولة المستديرة منها والجانبية أو المباشرة، وكان بمقدورهم جميعاً أن يتقنوا أن لعبة الأدوار المنحرفة وشبه المنحرفة قد وصلت إلى النهاية المنتظرة التي يملي فيها الأميركي حضوره، حتى لو غاب عن العالم كله، لأنهم ليسوا أكثر من أحجار في لعبة الأمم على رقعة تطول المسافات عليهم وتتسع المساحات.
في اللهاث السعودي وغيره خلف أدوار مرضية استطالت إلى حد التورم، وباتت كل متغيرات العالم عسيرة الهضم على دبلوماسية شاخت وهرمت على هامش الارتزاق المعتاد على مائدة الأميركي، يمكن تفسير الكثير من المقاربات الجائرة التي تلهب المنطقة هذه الأيام في الاستعادة والتقمص والاستعانة بالإرهاب ورموزه، وإن كانت تستعصي في فهم طريقة محاكاتها للأحداث، وهي التي لم ترتدع مما سبقها، وبأن عجزها عن مجاراة المتغير الجديد في مناخ العلاقات الدولية يقودها إلى الهاوية.
لا ننكر أننا استكثرنا في الماضي أن نقف عند الكثير من الانجرافات والانحرافات التي ذهبت بكثير منهم بعيداً في تجنيه على الحقيقة، وبينهم من أبدى حقداً لم نعهده حتى من سواه، ولهم في مصير غيرهم ما ستؤول إليه مصائرهم، لكن يبدو أن العجلة التي تحكم دورانها على آخر ما في جعبتهم لم تترك مجالاً للتريث بعد اليوم، وهم الذين لم يتركوا موطئ قدم ولا موضعاً إلا وبثوا فيه أحقادهم وسمومهم وإرهابهم، وحين يطوف عليهم الأميركي بحوَله لا بد ان يغرقوا بعمى أوهامهم وأضغاث أحلامهم.
لهم سعارهم حتى النهاية، ولهم أن يحاربوا طواحين الهواء إلى ما شاؤوا، فكما تلوكهم الألسن اليوم سيلفظهم التاريخ، فالبقاء دائماً لمن ظل سيد نفسه، والزوال لمن يحنّ إلى أذيال سادته التي تعدّل وجهته عندما تريد، وتغير موقفه عندما تشاء وحيثما تحتاج، وقد اقتربت لحظة الاستغناء عن خدمات الكثيرين منهم وبعضهم أحالت أوراقه إلى التقاعد أو حيدته، ومن بقي منهم, لن يطول به الزمن لتحط به الرحال كما فعلت مع غيره.
a.ka667@yahoo.com