أذكر منهم ميادة الحناوي التي كانت تسجل إحدى أغنياتها في أحد الاستديوهات ونهاد نجار الذي كان يغني في أحد المقاصف وخلدون المالح وآخرين، نرنو إلى تلك القلعة الأثرية الشهيرة( الأكربول) الجاثمة على قمة جبل الأوليمب المجاور الذي غادرته الآلهة منذ زمن موغل في القدم.
وفيما كنت أنظر بفضول إلى السياح الذين جاؤوا ينهلون من نبع التراث الثر، تراءى لي ذاك الشاعر الأعمى(هوميروس) يحمل قيثارته ويطوف في بلاد الإغريق يروي بأشعاره قصة الحرب التي دامت عشر سنوات وحقق بها جيش الإغريق انتصاراً كاسحاً على جيش طروادة وقد جمعت بعد وفاته بملحمة سميت(الالياذة) وقصة عودة الاغريق إلى بلادهم يلاقون الموت والتشتت حتى لم ينج منهم إلا القليل وقد جمعت بملحمة سميت( الأوديسة) وكانت الملحمتان مصدر إلهام الشعراء الإغريق وتربعتا على سدة التراث العالمي.
ولاح لي ذاك الشاب الاسكندر المقدوني( ذو القرنين) الذي انطلق على صهوة جواده وهو في الثالثة والعشرين على رأس جيش من ذوي السواعد الحديدية ليسيطر على العالم طيلة سبع سنوات وانتصر في عدد من المعارك واحتل بعض المدن كمدينة(صور) ثم انهزم في أخرى وقفل راجعاً إلى بلده بعد أن بنى عدداً من المدن على سواحل المتوسط باسمه كالاسكندرونة والاسكندرية.
جلست في عدد من المقاصف وزرت عدداً من الملاهي وأكلت في مطعم يقدم خروفاً رضيعاً مشويا يذوب لحمه في الفم وكأنك تأكل (البقلاوة) العربية أو التركية.
وتجولت في الأسواق الراقية والأسواق الشعبية، في البداية كنت أتفرس في وجوه الإغريق فأرى الكثير من التشابه بيننا وبينهم باعتبارنا من شعوب البحر الأبيض المتوسط، ثم عصي عليّ النظر وأوغلت في تاريخ الإغريق الذي أنجب كتّاباً ومفكرين أمثال:(هسيودوس) شاعر الإنسانية والإخاء، والفلاسفة(ديموقريطس) و(أرسطوطاليس) و(سقراط) و(أفلاطون) الذين أثروا الفكر الإنساني.
وإذا قفزنا إلى القرن العشرين وقرأنا للكاتب اليوناني((كونتراس كازنتزاكي) روايته(زوربا) التي عززها الفيلم السينمائي المستقى منها فلاقت رواجاً عالمياً لافتاًَ وأعادت لليونان ألقها.
ومن الفنانين الشهيرين: الممثلة ذات العينين الصاعقتين( إيرين باباس) ومؤلف رقصة زوربا الموسيقي(ميكس تيودوراكس) والمطرب(ديميس روسوس) بصوته كأسلاك الذهب المتوهجة، والمطربة(فكي لياندواس) ذات الصوت الحريري الذي يجذب العيون ويلف القلوب والتي فازت بالدرجة الأولى في مهرجان الأغنية الأوروبية عام(1970) بأغنيتها الساحرة: من بعدك لا أستطيع أن أعيش.
وتتساقط أوراق اليونان على أشجار التاريخ الباسقة؟ وتصاب بعدوى الأزمة الاقتصادية العالمية التي بذر بذرتها الأولى(دبليوبوش) انطلاقاً من أمريكا ذات الماضي القريب(الأسود) أمريكا التي تؤسس حضارة الدمار والبطش؟
وأتذكر قول الخنساء في رثاء أخيها صخر وأنا أتقلب على جمر الواقع العربي الراهن:
ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكين مثل أخي
ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي
anhijazi@gmail.com