واللافت في الأمر أن السياسات المالية والإقراضية الأميركية ذاتها كانت المسؤولة عن تلك الأزمة، فقد ظهرت أزمة اليونان لتعلن عن عجز وصل إلى حدود 12.7٪ من الموازنة العامة للدولة، وكانت اليونان قد لجأت إلى إخفاء مديونيتها الحقيقية على مدى عشرة أعوام وذلك من خلال اقتراضها 15 مليار دولار من مصرف غولدمان ساكس الأميركي وذلك عبر عمليات مالية معقدة شملت إصدار سندات محفوفة بالمخاطر، وجنت غولدمان ساكس من خلفها 300 مليون دولار، فيما واجهت اليونان أكبر مديونية تجاوزت حدود 400 مليار دولار.
وقد كانت لتلك الإجراءات الدور الكبير في السماح لأثينا بالانضمام إلى منطقة اليورو، فيما كانت في الواقع لا تملك المعايير الاقتصادية اللازمة لذلك، وهو الأمر الذي فجّر خلافات داخل البيت الأوروبي الموحد، بسبب المخاوف من انتقال عدوى العجز والمديونية إلى اقتصادات أوروبية أخرى، وخاصة فرنسا وألمانيا.
وفي أزمة متزامنة تواجه المملكة المتحدة مخاطر عجز في موازنتها تفوق شقيقتها الإغريقية، إذ تشير النتائج إلى عجز بريطاني بحدود 277 مليار دولار وهو يمثل 12.8٪ من إجمالي الناتج المحلي البريطاني، الأمر الذي دفع حكومة لندن لاقتراض 6.6 مليارات دولار لمواجهة العجز في خططها التنموية وتنفيذ برامج الرعاية. ويتوقع المحللون وضعاً أصعب خلال الأشهر القادمة يمكن معه الوصول إلى معدل عجز يقارب 13٪ من الناتج المحلي.
وأمام هذا الحال دعا غولدن براون رئيس الوزراء البريطاني إلى سنّ قوانين عالمية لإدارة النظام المالي الدولي، ووضع ضوابط لحركة الأموال وعمليات التمويل مع ضرورة الرقابة الصارمة على تلك التحركات.
أما داخل الولايات المتحدة ذاتها فقد انهار عشرون مصرفاً منذ بداية العام الحالي ليصل عدد المصارف المنهارة منذ مطلع العام الماضي إلى أكثر من 120 مصرفاً. الأمر الذي ينفي حال التعافي الاقتصادي الذي يجري الحديث عنه، بل على العكس فإن آثار الأزمة المالية والركود الاقتصادي مازالا يؤثران على الوضع المصرفي داخل الولايات المتحدة التي لم تشهد انهيارات مصرفية مشابهة منذ عشرين عاماً وفق الحالة المعيشة، ويكفي الإشارة هنا إلى أن تكلفة إغلاق المصارف كلفت المؤسسة الاتحادية للتأمين 30 مليار دولار خلال العام الماضي.
ويبدو أن الوعود بتحسن اقتصادي سوف تتراجع خلال الأيام القادمة، إذ ستظهر صراعات وخلافات ما بين الشركاء الاقتصاديين الأكبر في العالم، وسيجدون أنفسهم مجبرين على عقد مؤتمرات وورشات عمل تضع معايير وأسساً مالية تخرج عن جوهر النظام الليبرالي، وتطلب إلى الحكومات التدخل الدائم لمواجهة الأزمات والحدّ من المخاطر، وضبط حركة الأموال.