لكن الأخطر في هذه الظروف الصعبة هو تحديدا هدر مادة الخبز هذه النعمة التي تشكل ربما حالة فريدة في المجتمع السوري لكونه من أكثر المجتمعات في العالم استهلاكا لها من جهة ولكون الدولة تدعمها بلا حدود وتضعها ضمن الخطوط الحمر للأمن الغذائي للمواطن حيث لا يجب مساسها رغم أن أسعارها بخسة جدا وقل نظيرها ..
ولانريد هنا أن نخيف الناس من الأرقام الكبيرة للهدر بقدر مانريد أن يدركوا أهمية الحفاظ على هذه النعمة وعدم الاستهتار بها نظرا لأسعارها الرمزية فقد نشرت مؤخرا دراسة علمية حول صناعة الخبز في سورية أرقاما مفزعة و خلصت إلى أن سوء إدارته والهدر والفساد الناجم عنها يستنزف الاقتصاد الوطني بنحو ثلاث مليارات دولار سنوياً، بينما يوفر ضبط هذا الهدر عائدا محققا للاقتصاد الوطني بـ208.7 مليارات ليرة ترتفع عند إعادة استخدام ما تم توفيره في مجالات أخرى إلى 229.4 مليار ليرة .
ولهذا فإن المطلوب فعلا التعمق في مثل هذه الدراسات الجادة وإعادة النظر في صناعة وتوزيع واستهلاك الخبز خصوصا وأن القسم الأكبر من هذه الصناعة يتم في ورشات وأفران وصناعات غذائية تعمل ضمن قطاع كبير غير مرخص يسمى بلغة الاقتصاد « اقتصاد الظل» هو يشكل 40% من مجمل الاقتصاد السوري .
ولهذا فإن تصحيح الخلل وتحويل هذا القطاع إلى قطاع نظامي من شأنه أن يجفف أحد أهم منابع الهدر في هذه الصناعة ، إضافة إلى مسألة توزيع الخبز التي لاتزال تتم بصورة بدائية على حساب المواصفات القياسية والأخطر من ذلك أن هناك كميات كبيرة تنتج يوميا دون استخدامها وتزيد عن حاجة الاستهلاك اليومي في كثير من المنطق لتذهب علفا للحيوانات أو حتى الى الحاويات دون أي اكتراث بهذه النعمة التي تكلف الدولة مليارات الليرات ونشاهدها تهدر بأم عيننا دون شفقة أو رحمة خصوصا لتلك المناطق المنكوبة التي بأمس الحاجة لرغيف خبز واحد وتدفع ثمنه أضعافا مضاعفة لتحصل عليه وقد لاتجده ..