وفي النظر إلى هذه المشكلات من جهة ثانية, وتستبعد كل ما هو سياسي منها, ولهذا جاءت الحلول والاستراتيجيات التي ابتدعتها هذه الادارة ذات طابع أمني أيضا, وبينها, بالطبع, الاستراتيجية الأخيرة التي اعلن عنها بوش في العراق والتي طالب الكونغرس أمس بالموافقة عليها ورصد 235 مليار دولار لتمويلها طيلة السنتين المتبقيتين له في البيت الابيض.
وبطبيعة الحال, لا تجهل ادارة الرئيس بوش الطابع السياسي لتلك المشكلات ولا تجهل ضرورة أن تكون حلولها أيضا سياسية غير أنها, الادارة, تتجاهل ذلك, وتصر على تكريس الأمني على حساب السياسي, أولا, لكي تضلل العالم وتحاول ايهامه بأن الحضور العسكري الأميركي المكثف في المنطقة هو لحفظ الأمن فيها ولفض النزاعات التي تعتبرها قائمة من قبل, وثانيا لكي تنفذ من هذه البوابة البريئة في ظاهرها فقط نحو تحقيق أطماعها واطماع من يقف خلفها من كارتيلات النفط والفولاذ وغيرها.
ولئن كان الأمر على هذا النحو من التجاهل والتعامي وليس جهلا أو عمى حقيقيا لدى ادارة الرئيس بوش في التعاطي مع مشكلات المنطقة فإن النزاعات التي اثارتها هذه الادارة أو تتدخل فيها مرشحة للتصاعد والتفاقم طردا مع القدر الذي تبقى لهذه الادارة من صلاحيات في القرار والتصرف في مواجهة الكونغرس, وعكسا مع كل ما يعيد هذه النزاعات إلى اصولها السياسية الحقيقية. فبقدر ما تصمد المقاومة في العراق وتتصاعد , تثبت أن الاحتلال كسبب سياسي هو وراء مشكلة العراق الدامية, وبقدر ما يتوحد الفلسطينيون ويتضامنون يثبتون أن الاحتلال الاسرائيلي هو السبب السياسي الحقيقي لمعاناتهم الأمنية.
التطبيقات الجديدة لاستراتيجية الرئيس بوش في العراق لا تقدم حتى الآن أي جديد في امكانية أن تستعيد ادارته زمام التحكم بالشأن العراقي واعادة انتاج أي انتصار من سلسلة الاخفاقات التي يواجهها الاحتلال الأميركي في هذا البلد, الأمر الذي يؤشر إلى تواصل أزمة ادارة بوش وغوصها عميقا في مستنقع دخلته بأقدامها وادارتها, ويبقى أن ينجلي صراع الارادات الدائر اليوم عن ترجيح التفكير السياسي على التفكير الامني في العقل الأميركي.