من هنا يمكن فهم الدوافع والأسباب لاستمرار الحملات الظالمة والاتهامات ضد سورية,والتناوب الأميركي من رأس الهرم السياسي إلى الدبلوماسية ومفاصل السلك الحربي, في قيادة وإدارة وتسعير حمى الهجمة والضغوط باستهداف لهذا البلد وموقعه ومواقفه المسؤولة, ومحاولة أخذه وإخراجه من دائرة الصراع باعتباره قوة الممانعة الوحيدة المتبقية, في وجه مخططات الاستباحة والإلغاء والتمدد والفرض القسري لما يسمى(مشروع الشرق الأوسط الكبير), وذلك باعتماد سياسة تأليب وتضليل وتشهير طغى عليها الكذب والنفاق وبلغ حدوداً جنونية وقياسية خطيرة.
والرئيس الأمريكي جورج بوش في خطاب الخميس الذي ألقاه أمام الجمعية القومية من أجل الديمقراطية كالعادة, وشأنه شأن الآخرين من صقور إدارته لم يكن موفقاً في محاولته التجني وإلصاق كل تهم الدنيا بسورية, وإلقاء اللوم عليها وتحميلها مسؤولية الحرائق وحمامات الدم في العراق وفلسطين, والفشل والانتكاسات السياسية والعسكرية للمشروع الأمريكي- الصهيوني, المندفع بقوة نحو التعريب والتصدير لأزماته عبر دحرجة كرة النار,وتعميم الحالة العراقية ونقلها إلى لبنان, لعل ساحته تحقق بعض التعويض وتؤسس لانتصار يوظف لترميم الهزائم, وتحسين صورة بوش و(ملهمه) شارون وتعزيز مواقعهما السياسية.
وبكل تأكيد فإن الزج باسم سورية وغيرها في كل صغيرة وكبيرة, والتجاهل والإغفال والتنكر للدور الذي اضطلعت وتضطلع به في سبيل السلام وأمن واستقرار المنطقة, والتصدي السباق والريادي لظاهرة الإرهاب, ومساعدتها الشعب العراقي ودعمها لوحدته وحريته واستقلاله, لغط وتضليل وهروب ما أفاد ولن يفيد في إخراج المحافظين الجدد في الولايات المتحدة من الورطات والأزمات, لعقائدهم ومغامراتهم وحروبهم العبثىة المدمرة في هذه المنطقة أو غيرها, ولن يسهل لهم الطرق ويجلب الانتصار ويوقف موجات العداء والكراهية الواسعة لهم.
سورية ليست السبب في الورطة الأميركية في العراق, ويجب ألا ينتظر بوش أن نتحول إلى حراس ودروع بشرية لاحتلاله, وليس من حقه أو حق أحد أن يطالبنا بلعب هذا الدور وهو المسؤول عن الجانب الآخر المقابل من الحدود, ومن يملك المئة والثمانين ألفاً من الجنود المزودين بأحدث الأسلحة وأشدها فتكاً, وأعقد أجهزة الرصد والتجسس والتعقب, والمعني بحمل الوزر والتبعات لمواجهات فرضتها (ديمقراطية) الهجمة ولعبة الموت والإدماء, وأساليب العسف والقهر والإذلال العنصري والإرهاب الوحشي الأعمى, التي تعاملت وتتعامل بها إدارته مع الشعب العراقي, وهو المعني كذلك بإيجاد مخارج وحلول سريعة لها أقلها, الانسحاب وترك العراقيين يرسمون حياتهم ومستقبلهم بحرية ومن دون تدخل.