| شواهد مؤذية معاً على الطريق والنظام, كما هو متعارف عليه في كل المجتمعات المتحضرة, يبقى نقطة ارتكاز لإنجاز أي عمل بشكل دقيق, وفي وقت قصير. البعض ممن يدعى إلى تفهم أهمية النظام وضرورة احترامه, وبالتالي أن يكون البادىء بتطبيق هذه المعادلة على نفسه, سرعان ما قد يجيب: لماذا أكون أنا الأول? أو لماذا أكون أنا الوحيد? ثمة, في اعتقادي, أكثر من رد يمكن أن يجاب به على مثل هذا المنطق? الأول هو: عندما يقرر كل منا البدء بنفسه عن إيمان, نكون جميعاً قد بدأنا في وقت واحد بإظهار أهمية احترام النظام, ومن دون إعلان عن يوم أو ساعة البدء, بحيث لن يكون بيننا الأول أو الوحيد. الثاني هو: إن النظام, كقيمة اجتماعية تتصل بالأخلاق, لا يجوز تجزئتها كي تستخدم في مكان ولا تستخدم في مكان, أو في ظرف دون سواه, بمعنى أننا لا يمكن أن نكون ولا نكون أوفياء للقيمة ذاتها في وقت معاً. الثالث هو: ما دام مردود الالتزام بالنظام ينطبق على الجميع في سياق ممارسة السلوك الاجتماعي السوي, فلماذا اللجوء إلى الأنانية وبالتالي الإحساس بتفوق هذه ال¯( أنا ) على سواها, ولماذا تضخيمها تجاه الغير? إننا, إذا شئنا تجاوز الشعور بالفوقية أو بالأنانية, أمام القضايا المتعلقة بالأخلاق العامة, سنجد أن كل شيء حولنا يجري بانتظام دقيق, مثل تعاقب الليل والنهار, نمو النباتات وموتها, بداية العمر ونهايته, تتابع فصول السنة, نضج الثمار, حدوث المد والجزر, اقتران النتائج بالأفعال, وإلى ما هنالك من شواهد يمكن تلمسها بالعين المجردة, أو بالبصيرة. ترى من منا لا يصدق أن أقصر الطرق بين نقطتين متقابلتين هو الطريق المستقيم? وأما الشواهد المؤذية وممارسة صنعها أو توظيفها لخدمة الذات لأي سبب من الأسباب, فهي, بلا شك, انعكاس لما نحتضنه في نفوسنا من ترسبات ما قبل وعي النظام وفائدة احترامه, ولو أن أحدنا عاد إلى نفسه, قارئاً جيداً لآثار الفوضى فيه أو فيمن حوله, حتى إذا كانت تلك الفوضى كما( الفوضى الخلاقة ) التي يدعي بعض ساسة أيامنا هذه بجدواها, فسوف يجد أنها دليل انحدار أخلاقي بشكل أو بآخر. من ذلك على سبيل المثال, تجاوز شارات منع المرور, قطف أزهار الحدائق العامة, الاعتداء على أشجار الغابات, الأصوات العالية المنبثقة من محال بيع كاسيتات الأغاني, ترك بعض الحفر على الطرقات العامة في غياب الرقابة على سلامة الطرق بين المدن وداخلها, التزاحم على صعود الحافلات, ترك القمامة على الأرصفة من دون غطاء إلى غير ذلك من شواهد أقل ما يقال فيها إنها تسيء إلى وطن يريد أن تتجلى صورته على حقيقتها. هذه المشاهد وإن كان البعض من الناس قد أنسوا إليها بحكم العادة, تبقى معلماً يؤكد لزائر البلد أن ما يقرأ عنه في وسائل إعلام مغرضة ينطبق على ما يراه. إن الإساءة إلى الوطن لا تتطلب أكثر من لحظات معدودة, بيد أن إزالة معالمها قد تتطلب سنوات وسنوات طويلة.
|
|