تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حروب النفط وزمن اللامعقول ؟

إضاءات
الاثنين 29-12-2014
د.خلف علي المفتاح

اتسمت الفترة الممتدة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ وحتى سقوط جدار برلين عام ١٩٨٩ بأنها فترة الحرب الباردة والتي كانت قائمة ما بين الاتحاد السوفييتي السابق ومنظومة المعسكر الاشتراكي من جهة والولايات المتحدة الأميركية ودول اوروبا الغربية من جهة ثانية

واذا كان من عنوان عريض لها فهو انها حرب باردة بين السوفييت والاميركان وساخنة على غيرهم من شعوب العالم حيث كانت العديد من الدول والحكومات والشعوب ضحية او وقودا لها واستخدمت القوتان العظميان كل اساليب الحداثة وما بعدها وسائل لتحقيق مكاسب ومصالح استراتيجية تصب في خدمة مشاريع كبرى كانت تسعى لتحقيقها .‏

إن ما ميز تلك الفترة وما وما بعدها هو ان الولايات المتحدة الأميركية لم تتوان عن فرض الحصار الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية والمالية على اية دولة تعارض او تقف في وجه الاستراتيجيات التي كانت تعمل بهدف الوصول اليها غير آبهة بالنتائج القاسية والكارثية التي تترتب على الدول والشعوب التي تكون عرضة لها وكانت تفسر وتبرر ذلك بحقها في الحفاظ على ما تطلق عليه مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي دون ان يستطيع احد ردعها او منعها من القيام بذلك على الرغم من مخالفة تلك السياسات للقانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة وذلك بحكم قوتها العسكرية والاقتصادية ونفوذها السياسي والأمني الاستخباراتي وعلى الرغم من انها لم تستطع اسقاط اية حكومة باستعمالها السلاح الاقتصادي الا ان نتائج صعبة وقاسية تركت آثارها على تلك الدول ومجتمعاتها وعملية التنمية فيها.‏

ان عودة لتاريخ فرض العقوبات الاقتصادية التي قامت بها الولايات المتحدة الاميركية تجاه دول بعينها يعود بالذاكرة الى حصار كوبا وكوريا الديمقراطية والجمهورية الاسلامية الايرانية وسورية ومن ثم العراق وليبيا واذا كانت العقوبات التي فرضت وما زالت تأخذ شكل العقوبات الفردية او الجماعية لمجموعة من الدول وبشكل معلن وصريح وتفرض من دول بعينها بحق دول أخرى إلا أن ما نشهده راهنا هو مسألة أخرى حيث لا نجد الولايات المتحدة الأميركية تباشر هذا السلوك العقابي غير المشروع بنفسها وإنما عن طريق دول وحكومات أخرى بهدف التأثير في السياسات الخارجية لحكومات ترى فيها أميركا عقبة في وجه مخططاتها واستراتيجياتها للتحكم بدول العالم ورسم خرائط سياسية جديدة تتناسب مع ما تطلق عليه مصالحها الاستراتيجية وامنها القومي.‏

ان الانخفاض الحاد والمفاجئ في اسعار البترول وتداعياته على العديد من دول العالم المنتجة والمصدرة له لا يمكن وضعه الا ضمن لعبة الصراع بين الدول ومحاولات التأثير الحاد في السياسات الدولية وتطويع الارادة السياسية لقوى بعينها بما يستجيب لمقتضيات السياسة الاميركية من خلال استخدام سلاح الاسعار ومحاولة التحكم بانتاجه وتصديره عبر التلاعب بأسعاره وانعكاسات ذلك على الوضعية الاقتصادية لدول كبرى ما يحدث اختلالات وتشوهات اقتصادية فيها وهذا ما تبدو مؤشراته واضحة في العديد من الدول الوازنة على الصعيد الدولي .‏

ان كل المؤشرات الاقتصادية كانت تشير وتتوقع ارتفاع اسعار البترول بحكم الاوضاع المتوترة في منطقة الشرق الاوسط والصراعات الحاصلة فيها حيث الارهاب المنظم يسرح ويمرح فيها بدعم وإسناد ومباركة من قوى دولية واقليمية معروفة اضافة لتهديد الملاحة البحرية وخطوط نقل الطاقة سواء في بحر العرب او مضيق باب المندب وقناة السويس وغيرها من المناطق الا أن ما حصل كان على العكس من ذلك حيث هبطت اسعار النفط بشكل حاد وغير مسبوق بحدود النصف مع توقع هبوط الاسعار الى ما دون ذلك وتشير أغلب التحليلات السياسية والاقتصادية أن ذلك لم يكن السياق الطبيعي وان ما حدث كان نتيجة قرارات سياسية ذات طابع استراتيجي تقف وراءها الولايات المتحدة الأميركية باستخدمها نفوذها في بعض الدول المنتجة للنفط وفي مقدمتها دول الخليج العربي وتمثل ذلك بإغراق السوق الدولية بالنفط وزيادة معدلات الانتاج غير المعلن ما يعني هبوط الاسعار بشكل حاد وسريع ولعل ما يؤكد وجهة النظر تلك هو أن دول الأوبك لم تبادر كإجراء اولي وضروري الى خفض كمية الانتاج اليومي بهدف ضبط الأسعار وإعادة التوازن لسوق النفط من خلال التحكم بسلة اوبك التي تعادل ثلث حاجة الاستهلاك العالمي وهو ما لم يحدث كون دول الخليج وتحديدا المملكة العربية السعودية التي تنتج وتصدر أكثر من عشرة ملايين برميل يوميا وهو ما يعادل تقريبا ثلث سلة أوبك لم تبادر لذلك .‏

ان هذا الاجراء يعود بنا الى عام ثلاثة وسبعين وتسعمئة وألف إبان حرب تشرين التحريرية حيث استخدم العرب سلاح البترول بهدف الضغط على الدول الغربية الداعمة للكيان الصهيوني وحينها ارتفعت اسعار البترول حوالي ثمانية اضعاف ما انعكس ايحابيا على الدول المصدرة للنفط وشعوبها تنمية ورخاء وكان السبب الرئيسي في ذلك هو دماء شهداء حرب تشرين التحريرية المجيدة واليوم نرى عكس ذلك فالبترول الذي كان سلاحا بأيدي العرب بمواجهة اعدائهم تحول الى سلاح بأيدي اعداء العرب بمواجهة اصدقائهم وحلفائهم وشعوبهم إننا حقا نعيش زمن الحروب الصامتة و عصر اللامعقول.‏

ان الادعاء بأن خفض اسعار البترول هدفه التأثير على منافسة البترول الصخري المنتج في الولايات المتحدة الأميركية الذي يكلف استخراج البرميل منه حوالي سبعين دولارا هو أمر غير منطقي او عملي لأن الولايات المتحدة الأميركية هي دولة مستوردة للنفط بالنتيجة ما يعني أن خفض الاسعار تحول الى سلاح سياسي بمواجهة دول بعينها وهي روسيا وايران وفنزويلا بهدف التاثير في سياساتها ومواقفها من قضايا دولية واقليمية ساخنة وهو باعتقادنا اسلوب غير مجد وسلاح سينعكس ويرتد سلبا على مستخدميه ويفضح مدى ارتهانهم لقوى خارجية وارتباطهم الوظيفي بسياساتها بعيدا عن مصالح شعوبهم واستقلال قرارها الوطني.‏

khalaf.almuftah@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 خلف المفتاح
خلف المفتاح

القراءات: 11279
القراءات: 1049
القراءات: 801
القراءات: 952
القراءات: 826
القراءات: 897
القراءات: 910
القراءات: 871
القراءات: 942
القراءات: 888
القراءات: 900
القراءات: 871
القراءات: 900
القراءات: 933
القراءات: 976
القراءات: 949
القراءات: 1039
القراءات: 1015
القراءات: 949
القراءات: 1012
القراءات: 948
القراءات: 981
القراءات: 999
القراءات: 1042
القراءات: 1248
القراءات: 1192

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية