ثم يكتشف بطريقة الإلهام او الوحي ان لدى سورية القدرات والخبرات والدوافع كي تقتل الحريري في سياق (لعبة) تديرها مع واشنطن وباريس والمعارضة اللبنانية!!
نعترف لفريدمان ببراعته في قراءة النص السياسي وتأويل مشاهده كما يحب ويشتهي, ثم في تحويره واعادة تمثيل فصوله بين يدي قرائه وأمام ناظريهم مذ كان مراسلاً في بيروت, ونعترف له بنجاحه في تشذيب وتلطيف المشهد الاسرائيلي الوحشي في جنوب لبنان في ذلك الحين حتى اعتقد الاميركيون من قرائه ان لبنان هو الذي غزا اسرائيل واحتل ودمر شمالها, بل لقد اندفع بعضهم مطالباً بانسحاب اللبنانيين من اسرائيل ووقف المجازر التي يرتكبونها هناك!
ولعل استغراق فريدمان في ألعاب التضليل والتشويه وقلب الحقائق رأساً على عقب, وفي رؤية العالم مسرحاً من الدمى والخيوط المتشابكة كما في إدارته واقطابها اوقعه فريسة الألعاب تلك, فرأى سورية في موقع اميركا, ورأى أميركا في موقع سورية, فوجد ان سورية دولة عظمى تحرك الدمى, وتنقل رقعة الشطرنج من مكان الى آخر حول العالم, تلعب هنا وتحتل هناك وتقامر بالارض والناس في مكان ثالث ورابع وهكذا, وجدها تملك الكثير من التكنولوجيا وتقنيات التفجير دون ترك اثر الى الحد الذي دفعه الى الجزم بأنه سيكون صعباً اثبات من قتل الحريري, ووجد فريدمان من الدوافع لدى سورية كي تقتل الحريري, ما جعله يعتقد انها هي التي احتلت العراق ودمرته بعد افغانستان, وهي التي تخطط لنسف المنطقة العربية وتفتيت مجتمعاتها ودولها, ثم تحويلها الى اتباع لإسرائيل ومشروعها في المنطقة, وهي التي صممت وأدارت ذلك السيناريو المحكم التدبير والاخراج من تداعيات اغتيال الحريري وما بعده, وهي التي شدت خيوط الدمى في المسرح السياسي اللبناني الناشىء عن الاغتيال, وجعلت لكل حبة منخورة على ذلك المسرح كيالاً أميركياً أعور!
ليست الغشاوة على عيني فريدمان, بل هي على العيون التي ترى العالم والأحداث واغتيال الحريري من خلال عيني فريدمان, ولهذا سيكون صعباً اثبات من قتل الحريري, ولكن سيكون ممكناً وظالماً تدبيج الاثبات وفبركته!
كتب فريدمان ما كتب.. على صفحة مرآة, لا على صفحة ورق!