ولعل موقف حكومته المتطرفة من خطة (فك الارتباط) مع غزة خير برهان على ذلك, فرغم الهالة الإعلامية الكبيرة التي حاول الإعلام الاسرائيلي أن يرسمها لهذه الخطة بعد المصادقة عليها بأغلبية كبيرة إلا أن واقع الحال يشير إلى عكس ما ذهبت إليه وسائل الإعلام الاسرائيلية وما أوحت به السياسة الإسرائيلية بخصوص الخطة المذكورة.
فالانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة يوحي للرأي العام العالمي بأن إسرائيل تطبق قرارات الشرعية الدولية وتنسحب من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها, في حين تشير الحقائق الى أن الهدف الإسرائيلي هو التضليل والقضاء على أي أمل بتحقيق السلام الشامل والعادل وترسيخ احتلال الأراضي واستكمال بناء جدار الفصل العنصري وطمس حق العودة وشرعنة المستوطنات القائمة.
وإذا كانت خطة الانسحاب من غزة غامضة فيما يتعلق بمواعيدها وتفاصيلها المبهمة فإن بنودها المعلنة تمثل الدليل الواضح على سياسة شارون التضليلية, فالأراضي الفلسطينية التي سيتم الانسحاب الإسرائيلي منها -وفقاً لبنود الخطة- ستظل مغلقة عسكرياً وستبقى محاصرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي, وسيظل أي اتصال بين سكانها والعالم الخارجي تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
وفوق هذا وذاك فإن معبر فيلادلفيا الذي يربط قطاع غزة بجمهورية مصر العربية سيبقى تحت السيطرة الإسرائيلية المطلقة, أي أن هذا الانسحاب المزعوم لن ينهي حقيقة الاحتلال لأن الشعب الفلسطيني سيظل رهينة بيد قوات الاحتلال, فضلاً عن أن مزاعم تفكيك المستوطنات في غزة تؤسس لشرعنة مثيلاتها في الضفة المحتلة, فالحديث عن إخلاء ثمانية آلاف مستوطن من غزة وتفكيك أربع مستوطنات معزولة في شمال الضفة يقابله تعديل في مسار جدار الفصل العنصري يقضم بموجبه أراضٍ فلسطينية واسعة بنيت فوقها أكبر المستعمرات حتى الآن, وحيث لا يبقى للفلسطينيين في نهاية المطاف سوى 15% من مساحة فلسطين التاريخية.
والسؤال الذي يلقي بظلاله على هذه السياسة الإسرائيلية المراوغة هو: أي معنى لهذا الانسحاب الإسرائيلي من بعض الأراضي الفلسطينية في الوقت الذي ستواصل فيه إسرائيل بعد الانسحاب مراقبة الحدود البرية والبحرية والمجال الجوي الفلسطيني? وأي معنى لهذا الانسحاب في الوقت الذي تنص الخطة على احتفاظ شارون بما يسمى حق كيانه في شن العمليات العسكرية في أي وقت يراه ضرورياً لمكافحة الإرهاب المزعوم?!.