فالنصر القادم كان محملاً بدماء الطفلة البريئة، تلك الطفلة التي لا تعرف ألاعيب الكبار، ولا تدرك معنى مؤمراتهم..
جاء نصر «بترا» معمداً بدماء الأبرياء والأوفياء، كذلك الأمر في الحالة السورية، فبوادر الانتصار الكبير تلوح في الأفق القريب، لكن ثمنها كان غالياً متمثلاً في الكثير من الدماء الطاهرة، والكثير الكثير من الدمار والخراب والخسائر المادية، فضلاً عن الاحباطات النفسية المنزرعة في قلوب المواطنين المصدومين بضخامة حجم العدوان الخارجي.
وخلال واحد وعشرين شهراً تعاظمت الخسائر البشرية والمادية لتكون قرباناً مقدساً مقدماً على مذبح حرية الوطن وكرامته وسيادته.
وخلال واحد وعشرين شهراً أبدى مقاتلونا وقواتنا المسلحة قدرة فائقة في التصدي لقوى البغي والعدوان فاقت توقعات المتآمرين، وأحبطت مخططاتهم الشيطانية، فيما أظهر مواطنونا قدرة عالية من الوعي وحسن امتلاك الرؤية لما يحاك ضد وطنهم وكيانهم التاريخي.
واليوم إذ تبدو بشائر النصر واضحة وجلية على المستوى العسكري والعملياتي كما هي على المستوى السياسي فإن خطوات الدخول في طريق الحل الوطني تمضي بخطا واثقة وثابتة برؤية وطنية متكاملة دون أي تأثر بالمبادرات المضللة التي تحاول أطراف متآمرة تمريرها عبر «الجامعة العربية» أو من خلال الضغط على المبعوثيين الدوليين من كوفي عنان إلى الأخضر الإبراهيمي، فضلاً عن محاولات التشكيك بمواقف الدول الكبرى وخاصة الاتحاد الروسي والصين، تلك الدولتان اللتان تبنيان موافقتهما على أسس مبدئية وثابتة قوامها الالتزام بميثاق هيئة الأمم المتحدة، واحترام القوانين والمعاهدات الدولية ورفض التدخل بالشؤون الداخلية للدول وترك شعوبها تقرر مصيرها بنفسها دون ضغوط أو املاءات خارجية واحترام خيارات الشعوب في اختيار حكوماتها وأسلوب حكمها.
ووفق هذه الثوابت فإن الحكومة تمضي في تنفيذ برنامجها الاصلاحي بعيداً عن التدخلات الخارجية ودون تأثير لكل الأعمال التخريبية والعمليات الإجرامية التي تنفذها مجموعات إرهابية تجمعت على الأراضي السورية، وتلاقت أهدافها التي تخدم الكيان الصهيوني ومشروعها الاستيطاني، ذلك المشروع الذي يستهدف تفتيت المنطقة وإضعافها كلها، والتركيز على إضعاف سورية بالذات كونها العقبة الوحيدة في وجه تنفيذ خطوات ذلك المخطط، أو ضرب جوهره، فبعد عدد من الخطوات الناجحة للمشروع الصهيوني وعقد عدد من «معاهدات السلام»، وإقامة علاقات تجارية وثقافية مع دول أخرى ومحاولات ضرب قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، فإن سورية بقيت العقبة العربية الوحيدة بين حكومات العرب المقاومة لذلك المشروع الصهيوني.
وإن كانت سورية تعاقب بشدة على مواقفها القوية فإنها تقدم مشاريع الإصلاح الواحد تلو الآخر إيماناً منها بأنها تخدم شعبها وتستجيب لمطالبه وتحمي حرية الوطن وسيادته وتحافظ على استقلاله.
وباعتقادي أن الأيام القادمة ستشهد المبادرة الأهم والأكبر التي ستواجه كل محاولات التضليل والتخريب، وستضع الحكومات المتآمرة والجهات المشاركة في سفك الدم السوري والمجموعات المسلحة وقوى المعارضة كلها أمام استحقاقات لن تقوى على ردها، وتكون عمليات الفرز بأوضح صورها، وعندها لن يبقى أمام قوى العدوان إلا الانصياع لقوة الشعب السوري ورغباته الوطنية.