وان تحكي ما عملت على المداراة حياله كل هذا الزمن، واستلزم ذلك ذهابا وإيابا والتعرج يميناً وشمالاً إلى أن استقر بها الحال على الاقتصاص والانقضاض طعنا وغدرا في زمن الردة.
على مدى خمسة وستين عاما بكت الأعراب وورثتها الجدد، مراراً وتكراراً، ضعف حالها، وضيق ذات اليد، وندبت ولطمت وتسولت وجاهرت في تسولها على أبواب العواصم وامام الشاشات حتى شبعت وأشبعت .. وما فتئت تحت هذه العناوين تجهض كل خطوة في أي اتجاه لا يحاكي الوجهة الأميركية، ولا يتقاطع مع المصلحة الإسرائيلية، كي يتطابق مع الدور المناط بها.
فقد أغرقت العرب في حسابات لم تكن لهم، أدخلت قضاياهم زواريب الحروب والحروب المضادة، ورسمت خطوط تقاطع وهمية، ومساحات تلاقي ما تحتاجه أجندات الغرب واطماعه، فأضاعت فلسطين والقضية في الاستجداء، ووقعت صك التنازل عنها بصمت مطبق، وبتواطؤ معلن، وتأتي رياح "ربيعها" لتذري ما تبقى من نتف القضية التي قد تذكّر بفلسطين أو بالعروبة والقومية، أو قد تذكرها بما هي عليه.
اليوم تصطف الأعراب بـ «قامات» مشيخاتها يمينا ويسارا، وتنتفض بهمة عرابيها الجدد على غير ما اعتادته، ترعد وتزبد بما فيها من وعيد وتهديد، وتعيد تدوير الزوايا بحثا عن سراب في آخر النفق، أو بقايا أوهام لم تستنزف ما تبقى لها من رصيد في الحساب الأميركي، ومن أدوار ووظائف في الجعبة الإسرائيلية.
تصطف الأعراب وخنجر غدرها مشرعٌ في ظهور العرب جميعاً لتحاكم العروبة ومن انتمى إليها، لتنتقم من إحراج عقود خلت، حال الصوت القومي دون أن تعبث أكثر ودون أن تتنازل أبعد ولم يسمح لها أن تغرب وتشرق كما تريد لها إسرائيل، أو كما ترغب أميركا، ولتتخلص من عبء التوجس والخوف والقلق والريبة من فضيحة المقارنة.
في قمتها تحاول أن تقول ما بلعت لسانها حياله سنين طويلة، وأن تتجرأ على اجترار العجز ذاته، حين تتفاصح في الحقوق والواجبات، وتحاضر في المسؤوليات، فتحاكي الأبجديات الأولى للخيانة الموصوفة جهاراً نهاراً، ومن دون وجل أو خجل.
السوريون ليسوا قلقين من مهاترات الأعراب، ولا من صوت نعاجهم، وليسوا جزعين من صدى الصوت الإسرائيلي والأميركي في قاعات القمة الأعرابية، بلكنة المشيخات كان، أم بلون دولارات النفط، وهو ما اعتدنا على حضوره في أوراق الأعراب وطروحاتهم وفي أقلها تحت الطاولة وخلف أبوابها، وتحت سطور قراراتها.
السوريون يدركون أنها ليست قمة للعرب، ولا معنى للعروبة دون سورية، لا دور خارج إطار الأيقونة السورية، حتى عندما يستجلبون من باع واشترى ثمن حضوره، وثمن كلماته وصوته أو حين يلصقون الألقاب والأوصاف على هذا أو ذاك او حين ينزعونها.
جربت الأعراب في الماضي، وقد أتيح لها اليوم، أن تجرب من جديد وربما لحقبة أخرى، لكن تعلم ويعلم سادتها ومديرو جلسات قمتها، أن سورية التي جابهت أعتى حرب كونية على مدى عامين ونيف، لديها فائض الصمود المتجذر في وجدان شعبها، وفائض القدرة على المجابهة والمواجهة، وسيكون من العبث المقامرة اكثر في الرهان على نفاد صبرها، والنصيحة ألا يجربوه!!
a.ka667@yahoo.com