أين تتقدم هذه المشاريع وأين تتراجع؟ ولماذا؟ ومن يستدير؟ ومن يسعى لجعل هزيمته كاملة وموصوفة بحكم رفضه القيام بأي استدارة ؟.
ففي الوقت الذي تحدث فيه عبد الله غل عن فشل إسرائيل والغرب في سورية، كان داوود أوغلو يحاول العودة إلى نقطة الصفر مراهناً من جديد على الفصل السابع والعدوان المباشر على سورية، وهو ما يؤكد أن لتركيا الإخوانية مشروعها الذي تقامر بكل شيء من أجله، والذي لن تتنازل عنه ولن تعترف بهزيمته حتى لو أدى ذلك إلى هدم الدولة التركية.
فمما ينبغي على الشعب التركي فهمه أولاً، وعلى الأطراف الدولية والإقليمية أن تدركه ثانيا؛ هو أن حكومة أردوغان المأزومة داخلياً وخارجياً، والمعزولة عن شعبها والحركة السياسية الدولية ماضية في النفق الإخواني المظلم، وذاهبة إلى حتمية الارتطام بالحائط، ولن تتراجع عن خياراتها الكارثية أبداً، وهي تعلن تمسكها بسياستها الحمقاء كل يوم من خلال الإصرار على فتح جبهات اختلاف وقتال جديدة مع شعبها ومكونات مجتمعها من جهة، ومع الأطراف الدولية والإقليمية من الجهة الأخرى.
فتصريح غل عن «فشل إسرائيل والغرب في سورية» لا ينطوي على اعتراف بفشل المؤامرة الخارجية على سورية، ولا على الاعتراف بوجود هذه المؤامرة. وكما أنه لا ينطوي على محاولة تحييد تركيا أو تبرئتها من الشراكة الكاملة بالمؤامرة، فهو لا يتضمن بوادر أو مؤشرات حصول استدارة في الموقف التركي، وإنما يأتي على خلفيات تتصل بوهم عضوية الاتحاد الأوروبي، ووهم المؤامرة الضالعة فيها إسرائيل بالشراكة مع الغرب لإسقاط حكومة «العدالة والتنمية».
وعليه فإن ما تفعله أنقرة بمثلث الإدارة الإخوانية غل - أردوغان - داوود أوغلو هو أنها تراكم أخطاءها في السياسة الخارجية، وتفتح جبهات عداء دولية وإقليمية جديدة، وتفاقم أزماتها الداخلية مع الشعب وأطيافه المتعددة، ومع جهازي القضاء والشرطة، ومع الجيش والمؤسسة العسكرية، وإن في مؤشرات تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وتدهور العملة الوطنية التركية، وامتلاء الساحات بالمتظاهرين ما يمثل مرآة حقيقية تعكس حالة تخبط وحماقة حكومة الإخوان من جهة، وتعكس من الجهة الأخرى حقيقة سقوط حلم العثمانية الجديدة.
لا مستقبل سياسياً لجوقة الإخوان التركية الحاكمة، ولا لمجلسها العالمي، وكما سقطت زمر الإخوان في مصر وسورية وغزة، وتسقط في هذه الأثناء في الدوحة وأبو ظبي وتونس وليبيا، فإنها ستسقط اليوم وغداً وعلى امتداد عالمنا العربي والإسلامي، وحيثما نشأت أو حاولت النشوء، وإذا كانت تركيا اليوم تمثل الأنموذج، فإن جلّ ما تستطيع حكومة أردوغان فعله اليوم هو أن تسعى بذاتها إلى إضافة هزائم جديدة إلى هزيمتها في سورية، وأن تنجز فشلاً جديداً يضاف إلى فشلها في مصر، وأن تعزل نفسها أكثر فأكثر عن شعبها، وأن تراكم الأخطاء والحماقات التي يؤسس عليها المجتمع التركي وصولاً إلى لحظة «السقوط الأردوغاني المدوي» التي ينتظرها ويصنعها الأتراك .. ولا تبدو بعيدة عنهم.