كل مناهج الفكر السياسي وتجارب الثورات في التاريخ تقول إن الثورات .. بمعانيها الجدلية وما تنطوي عليه من طموحات تغيير سياسي واجتماعي واقتصادي تبدأ بعد سقوط الأنظمة القائمة , إلا موضة ثورات « الربيع العربي « وهي في ثلاثة بلدان عربية أو أربعة على الأقل , بدأت وانتهت مع انهيار الأنظمة , ثم عادت لتسقط بـ «ثوارها» سقوطا حرا ومدويا عبر فوهات صناديق الاقتراع , بل وبالأحرى , عبر فوهات العقل السياسي المثقوب , والمفتوحة ثقوبه باتجاه الماضي حصرا .. حيث لا أوراق تقول نعم في هذا الصندوق ولا أوراق تقول لا , ولا حتى أوراق بيضاء .
ومع ذلك تصر تلك الشريحة من المعارضة السورية على تسمية حراكها ثورة , مع أنها لا تعرف حتى الآن الثورة بمن ؟ وعلى من ؟ ومن أجل من :
ترفض منهج النظام القائم في الإصلاح , لكنها , لا تفصح عن منهجها هي في الثورة .. وإن أفصحت ارتطمت بألف جدار وجدار , فجدار يكشف خواءها وخواء رموزها الفكري والسياسي , حيث لا برنامج سياسي ولا آليات ولا طرائق في ترجمة ما تقوله هي أو إعرابه أو تحويله إلى واقع معاش .. سوى تركيب المجالس والهيئات وتشكيلها , وتوزيع المناصب والإدارات والمتحذلقين على الفضائيات , وجدار يكشف نزعتها إلى القمع والقسر ويبشر سلفا بلا ديمقراطيتها رغم الادعاء , حيث لا حوار ولا نقاش ولا سجال ولا صناديق انتخابات ولا منتخبين .. اللهم سوى من انتخب نفسه منهم وكفى الله السوريين شر الصناديق والانتخابات , وجدار يعري فقرها المدقع لشارع مدني غير طائفي واع ومثقف ومتحضر ... إذ لا أحزاب ولا تيارات ولا رؤى ولا أيديولوجيات .. ولا رموز يعرف السوريون « قرعة « أب لها من أين وفدت وإلى أين تذهب , وجدار يكشف عن عورتها الثقافية الاجتماعية المغطاة بلبوس سياسي رقيق أعجز من أن ينتج برنامجا سياسيا وطنيا جامعا .. اللهم سوى برامج ثأرية حاقدة تتوهم أن المقاصل هي من صنعت عدالة الفرنسيين وحريتهم وإخاءهم , وأن الثورة كما قالت لهم «الجزيرة» وأخواتها ومنظروها من اليمين واليسار , هي العناد والاحتشاد والزعيق , ثم القتل والتخريب , ثم النسف والتدمير .
وحدهم السوريون , ودون أن يجلسوا على أي عروش سوى عرش الوطن الواحد الحر السيد المستقل , عرفوا أن الثورة هي التغيير السلمي الآمن والرصين , الذي يبني ولا يخرب , يضمد ولا يقتل , مثلما عرفوا تماما أن الببغاءات وإن أكثرت وأجادت اللغو والترداد .. فهي لا تفقه !
khaledalashhab@hotmail.com