وتقطر الدروب إلى السماء دماً , تصعد غزة .. تتعالى , وليس ثمة صياد يبكي سنونوة قررت أن تحلق .. وتموت , ليس ثمة أفق يلجم التحليق في وسع الفضاء , ليس ثمة أروع من طفل يهجىء حروف عشق ترشف دمه رشفة بعد رشفة , ليس ثمة أزكى من وليمة تراب من تحت أقدامهم .. الراحلون اليوم وغداً , المنعتقون من أضرحة البكاء والعويل واللاجدوى.. ومن شواهد الرخام البارد , المتعالون فوق صدأ الحياة وصديدها .. ففي تلك السماوات ما يستحق الموت .
تصعد غزة .. تتعالى , والدم يتوق إلى التراب .. يصيران شهيداً .. يصيران سنونوة أو عوسجة , تنبت ولاتموت على تلك الدروب , تضيء , تزهر .. وتثمر مواسم من لون وأرجوان , تثمر غداً حراً دون حصارات ومعابر .. ودون خوذات وحواجز تفتيش .. دون مقابر .
على هذه الأرض ما يستحق الحياة !
وتقطر الدروب الى السماء دما , ينحني النخيل .. ويجثو القمر عند شاطئها أو عند أقدام شهيدها .. شهدائها , أحياؤها الذين يرزقون مع كل شمس جنة , ومع كل سماء نجمة , ياغزة .. ياصهيل ليلنا ينبلج فجراً , يا قبلة أمة ما عادت تحب الحياة .. هكذا أنت الآن وحيدة في لجة الإعصار .. دون عرب ودون عجم .. ودون معابر , دون شقيق وجار يتاجر , عبد يجيد كل التلاوات والتعاويذ والتهاريج .. وبدمك يقامر , ها أنت .. على ما أنت من جوع وليل وحرائق , تركلين الشمس بقدميك , تطهين الحصى بسعير مجدك .. وتوزعين قدس خبزك على عرب جوعى .. سوى من تخمة المنابر ؟
على هذه الأرض ما يستحق الحياة !
وتقطر الدروب إلى السماء دما , وترتقي غزة , تعلو , مثل كل الشهادات والنبوات وحيدة , مقهورة , مصلوبة , مسفوحة الدم دون ثأر , لكنك غداً .. خشبة خلاص .. وآية ترتل وألسنة تلهج .. وعاقبة لمن اتبع وطن .
يا غزة , صلي لأجل خلاصنا مما نتشدق ونبرر ونسوف , صلي لنا فصلاتك اليوم أقرب وأوفى وأسمع , ارتقي وإن شئت اسحبينا فلعلنا لا نقف عند حاجز تفتيش أو معبر , تشفعي بنا فنحن الخطاة الذين مرروا لليهودي الجلاد خلسة الخشبة والمسامير وطعنة الخاصرة عبر معبر رفح , بثلاثين فضة أو أقل .. بعناك , وبالمجد والعلاء .. اشتريتنا ؟؟