تكون واشنطن كمن يدخل بإرادته متاهة جديدة، وكمن يشد اليد على اليد المنتجة للإرهاب والتطرف في العالم، وفي الواقع هذا بالضبط ما تفعله أميركا!.
وما كان لمملكة الإرهاب والتطرف أن تدعو الإرهابيين المرتزقة للاجتماع في الرياض لو لم تحظ بموافقة البيت الأبيض، وما كان للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا أن يعتبر الاجتماع قراراً شجاعاً، وأن يصف مكانه بالجيد جداً لو لم يكن قد تلقى أمراً أميركياً بالثناء على الفكرة والاستضافة السعودية له.
إذا كان الرئيس الأميركي بعد بحث وتمحيص شديدين سابقين لم يعثر على معارضة سورية، وإذا كان توصل إلى قناعة عبّر عنها علناً عندما وصف هذه المعارضة (بالفانتازيا)، فما الذي يُلزمه بإرسال راتني إلى الرياض سوى أن إدارته لم تحسم أمرها بعد، وسوى أنها بصدد إصدار أمر عمليات جديد لأدواتها، وسوى أنها ما زالت تراهن على إمكانية إحداث خرق ما في جدار صمود سورية، وفي موقف حلفائها، بالاعتماد على الأعراب والعثمانيين والمرتزقة؟!.
واشنطن تعرف قبل سواها أن السعودية هي منبت الإرهاب وهي الأب الشرعي لكل تنظيماته (القاعدة وداعش والإخوان وجميع المشتقات)، وهي تعرف قبل سواها أن ما عجزت هي والغرب وتركيا عن إنتاجه وفعله لجهة توحيد الفصائل الإرهابية بهدف صناعة (معارضة) منها، أو لجهة إضفاء سمة الاعتدال عليها أو على أجزاء من مكوناتها، ستعجز السعودية عن القيام به، فما الذي تبحث عنه إذاً سوى تعقيد المشهد، والتنصل من المسؤولية، وإطالة أمد القتال، وولوج مرحلة جديدة من الاستثمار بالإرهاب لاستنزاف جميع الأطراف؟.
الحرب على الإرهاب قبل أن تكون عسكرية ضده، هي معركة سياسية مع أميركا، ومواجهة الإرهاب هي مواجهة حقيقية مفتوحة معها، ولا يمكن لهذه المعركة أن تنتهي ولهذه المواجهة أن تصل إلى نهاية ما لم يتمكن العالم من إجبار واشنطن على تغيير سياستها التي تستثمر بالإرهاب والتطرف، فالسعودية كمجتمع ونظام يمثل الجاهلية الأولى هو أضعف وأوهن من أن يكون له أي دور سياسي لولا أميركا ورغبتها في العبث وخلط الأوراق.
لا اجتماع الرياض ولا غيره سيتمكن من تغيير مواصفات حثالات العالم الإرهابية، ولا هذا الاجتماع ولا عشرات من مثيلاته اللاحقة ربما ستتمكن من إقناع السوريين بأن أحداً من المجتمعين يمثلهم، وإذا كانت أميركا والغرب ومجموعة الأدوات الإقليمية الرخيصة لم تستوعب درس الصمود السوري الطويل، فعليها أن تراجع حساباتها، وعليها أن تنظر في تطورات الميدان، وبمزاج السوريين وقدراتهم، لعلها تعتبر وتتعلم.