ولا شك أن المشكلة بالنسبة للقوى التي تستهدف الدولة السورية هي في نظامها ونهجها السياسي الذي يحاولون الالتفاف عليه بعبارة موقع الرئاسة وما يعكسه من وحدة سورية وسلامتها وسيادتها والحفاظ على قرارها الوطني المستقل والتمسك بثوابت الشعب السوري وإيمانه بالوحدة العربية وهذه كلها محرمات أميركية إسرائيلية وهي بالنسبة لصانعي القرار الأميركي المسطرة التي تقاس بها صلاحية هذا النظام أو ذاك وشرعيته من عدمها، وهو جوهر مشكلة أميركا والغرب عموماً مع القيادات السورية منذ ثورة الثامن من آذار عام ١٩٦٣ وحتى الآن، وهي مزمنة وغير قابلة للعلاج فالفلسفة السياسية الأميركية في نظرتها لدول العالم وقياداته تنطلق من قاعدة : حتى تكون نظاماً شرعياً أو جيداً نفّذ ما تريده أو تطلبه أميركا.
إن مشكلة دول العالم التي تواجه السياسات الأميركية هي في سعيها الحفاظ على استقلالها السياسي وقرارها الوطني المستقل الذي تُمليه مصالح شعوبها وحاجاتها وهذا يصطدم بالعقلية السياسية الأميركية القائمة على تحويل القوة الاقتصادية والعسكرية والإعلامية الأميركية إلى نفوذ سياسي يفرض نفسه على مراكز القرار في العالم بما يخدم ويستجيب لمصالح النخب الأميركية الاقتصادية وتعبيراتها السياسية.
إن المطلع على مطابخ السياسة في الغرب يدرك تمام الإدراك أنهم لا يرغبون برؤية حاكم أو رئيس أو نظام لا يستجيب لمصالحهم ويخرج عن إرادتهم وأجندتهم العالمية أو يشكل خطراً عليها، فالولايات المتحدة الأميركية لازالت تعاني من شعور الإفراط بالقوة وعقلية الهيمنة والنظر لدول العالم نظرة محكومة بنزعة التفوق مستنسخة من النظرة الاستعمارية الأوربية التي تدّعي رسالة (الرجل الأبيض) لتكون الغطاء أو التعبير المخفف لمصطلح الاستعمار حيث حاول الفكر الاستشراقي الغربي تضليل شعوب العالم الثالث (المتخلّف) به ليكون الغطاء للاستعباد والسيطرة والنهب والإلحاق والتبعية.
إن الغرب بضفتيه وليس شعوب العالم فقط سيبقى يعاني الكثير الكثير من هذه النظرة الاستعلائية وسيجد الإرهابيون الكثير من الفرص والأسباب ليمعنوا في تنفيذ أجندتهم بالقتل والإرهاب إن استمر ساسة الغرب يمارسون هكذا سياسات لا تتسم بالحكمة والاحترام لإرادة الشعوب وخياراتها الوطنية وحقها في الاستقلال السياسي والاقتصادي والعلمي والقيام بعمليات تنمية شاملة تحسّن في شروط حياة أبنائها ليعيشوا حياة أكثر أمناً واستقراراً ورفاهية وعدلاً ما يخلق بيئات غير منتجة للإرهاب والتطرّف وكل أشكال الراديكالية التي تستثمر في بعض أخطاء الغرب مجالاً لتعبئ بعضاً من فئات لا تملك مستوى كاف من الوعي لتدرك أبعاد مخططاتها وأهدافها العدوانية والشريرة.
إن دول العالم وقادته وقواه الحية أمام تحدّ تاريخي لحسم الأمور باتجاه تشكيل جبهة عالمية فاعلة لمواجهة خطر الإرهاب والتطرّف بكل أشكاله ومسمياته ولعل التلكؤ في تحقيق ذلك سيعطي المزيد من الفرص الزمنية كي تتسع دائرة الإرهاب ويشتد عوده ويمتلك وسائل عنف غير تقليدية ما يجعل مواجهته والقضاء عليه أمراً غاية في الصعوبة بحكم إمكاناته وقدراته في القتل والحركة في جغرافيا مفتوحة بحكم تطور وسائل التواصل وحركة الأموال وغيرها من معطيات العولمة.
إن تقديم مصالح شعوب العالم والأمن الدولي على مصالح قوى بعينها وتقديم العام على الخاص وحلول منطق الشراكة الدولية على منطق الاستئثار أصبح ضرورة وحاجة تفرض نفسها على الجميع ما يستدعي حراكاً من المنظمة الدولية وأمينها العام ليجعل من هذه القضية الـمُلحة أولوية تتقدم على ما عداها من قضايا تشغل المنظمة وتحرفها عن أهدافها الأساسية المتمثلة في حفظ وصيانة السلم والأمن الدوليين.
khalaf.almuftah@gmail.com