تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قراءة هادئة في دبلوماسية المواجهة

الافتتاحية
الثلاثاء 25-9-2018
بقلم رئيس التحرير عـلي قـاسـم

منذ لحظة إسقاط الطائرة الروسية التي تتحمل إسرائيل كامل مسؤوليتها، بدت التداعيات المتسارعة أشبه بكرة ثلج تتدحرج، بدءاً من الرواية التي حاولت إسرائيل من خلالها أن تتهرب من تلك المسؤولية،

وصولاً إلى الجزم الروسي بإحداثيات ما جرى وفق بيانات موثقة ومنظمة، فيما كانت القراءات السياسية تتباين في حدود المشهد التقليدي الذي اعتاد في نهاية المطاف أن يوصل الأمور إلى أروقة الدبلوماسية وهي تخوض في تفاصيلها المعتادة.‏

الفرق هنا ليس في التضليل العدواني المبيَّت الذي استغل وجود الطائرة الروسية وبشكل مسبق ومنسق من أجل التمويه، بل أيضاً في اختلاق رواية إسرائيلية ساذجة، فبركة الأحداث بطريقة غير مقنعة، تكفلت الأدلة الروسية بدحضها، وحتى التفاصيل الملحقة، بدت أقرب إلى محاولة الخلط بكثير من العجرفة والغطرسة المعتادة من الإسرائيليين، حيث كانت تمارس ابتزازها في سياق الرغبة في تدوير الزوايا المختلفة وتسخير أجندات الضغط من أجل تحقيق أهدافها.‏

ويضاف إلى هذا وذاك سلسلة من المؤشرات التي طفح الكيل الروسي منها، حين بالغت إسرائيل في استغلال الموقف الروسي في تحقيق الكثير من المكاسب السياسية، من دون أن تقدم بلغة المصالح ذاتها أيَّ مقابل، بل على العكس، كانت أقرب إلى خط رسائل مثيرة ومريبة تغمز من هنا أو هناك، ووصلت في بعض مراحلها إلى تقديم مشاهد إضافية من الغطرسة غير المسبوقة، وبطريقة استعراضية لم توفر أحداً منها.‏

التحليلات المختلفة التي كانت تحذر من اللعب بالنار مع روسيا، أو التعبير عنها بأي وسيلة تؤشر إلى ذلك، وتحديداً حين تميل إلى أبعد من الاصطياد السياسي المؤقت أو الآني، لم تكن تعتقد أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه في سياق البحث عن تفسير لما وصفه المراقبون بالهدوء الروسي الذي كان يسبق العاصفة، حيث سقطت كل الاعتبارات والخطوط الحمر المرسومة في مخيلة البعض أكثر مما هي على أرض الواقع، والتي تكفلت بها إلى حدٍّ بعيد الدبلوماسية المتزنة والمتقنة التي اختطتها موسكو في منطقة متخمة بالأفخاخ السياسية والعسكرية وحتى الإستراتيجية التي تعيد رسم خريطة المنطقة والعالم، وهو ما يتقاطع مع القراءة الفعلية للسياسة الروسية في إعادة رسم الإحداثيات بهدوء متقن، ومن دون أن تفتعل أي شكل من أشكال الصدام الموازي؛ بل التزمت التزاماً صارماً بمكونات تلك الإحداثيات، إلى درجة أنها باتت جزءاً من منظومة متكاملة، اتضحت معالمها في الخطوط العريضة، بينما كانت تفاصيلها أكثر إتقاناً، حتى إنها خلت من الشياطين التي اعتادت إغراق المشهد برمته بتداعياتها والحسابات المغلوطة التي كانت تقيم معادلات وقواعد اشتباك مختلطة ومركبة.‏

المفاضلة اليوم بين الدبلوماسية الساخنة ودبلوماسية المواجهة، تأخذ بعين الاعتبار الشروط الموضوعية للمقاربات السياسية الموازية، ولكنها تمارس حضورها على المستويات الأساسية في عموم المشهد الإقليمي، والقرار بتحديث منظومة الدفاع السورية ليس أكثر من جبل الجليد الذي يخفي خلفه ما يؤشر إلى أن هذا الإجراء كان مسبوقاً بحشد من الخطوات المتوازنة والمتقنة التي تعيد ترتيب قواعد الاشتباك الإقليمي على أسس جديدة ومعايير لا تشبه تلك التي كانت قائمة في شيء، وتعيد معها رسماً عملياً لتلك القواعد عالمياً، بحيث تكون جميعها منضبطة على الإيقاع الروسي وفي التوقيت الروسي.‏

a.ka667@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 علي قاسم
علي قاسم

القراءات: 7091
القراءات: 1010
القراءات: 1169
القراءات: 955
القراءات: 955
القراءات: 943
القراءات: 1074
القراءات: 905
القراءات: 844
القراءات: 941
القراءات: 990
القراءات: 875
القراءات: 813
القراءات: 864
القراءات: 1067
القراءات: 947
القراءات: 766
القراءات: 954
القراءات: 975
القراءات: 1036
القراءات: 991
القراءات: 869
القراءات: 1039
القراءات: 948
القراءات: 1079

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية