يسارعون كلهم لاستنكار ما نفذته المجموعات الإرهابية في باريس من جرائم وحشية أوقعت المئات من الضحايا قتلاً أو إصابة. فمحور المقاومة هذا بني في الأساس على فكرة رفض الظلم والعدوان ومواجهته مهما كانت المخاطر، والمحور هذا عانى ويعاني من الإرهاب على وجهين، وجه تمثل بالتزوير ووجه تمثل بالقتل والتدمير.
ففي الوجه الأول نعلم أن أميركا وأصحاب المشروع الصهيوني أميركي أسمت المقاومة إرهابا وحاولت أن تحشد العالم ضدها ولما فشلت واستمرت المقاومة في مسارها ابتدع الغرب من يمارس الإرهاب الحقيقي ليخلط هذا بذاك أي ليخلق الشبهة والالتباس بينه وبين المقاومة أولا، ثم ليستعمل الإرهاب في الوجه الثاني في مواجهة المقاومة ويتخذ من الإرهاب السلاح الذي تشهره المخابرات العالمية وعلى رأسها الأميركية C.I.A، ودخل العالم بعد هذا القرار في مرحلة الجيل الخامس من الحروب الذي تخطى مواجهات الجيل الرابع، جيل حرب فيها تعمل القوى الإرهابية بدعم من دول وجيوش ضد تنظيمات المقاومة وجيوش تحتضن الفكر المقاوم، ثم تتحول التنظيمات الإرهابية تلك إلى ما يشبه الدولة التي لها من يحتضنها في الخارج كما هو حال داعش اليوم في العراق وسورية وحالها مع دول في الجوار والغرب معاً.
لقد تصور الغرب بقيادة أميركية انه يستطيع أن يستثمر بالإرهاب ويحقق به أهدافه في إسقاط المقاومة ومحورها، وينطلق بعدها لترويض أي مكون سياسي في العالم يرفض الأحادية القطبية لأن الغرب اعتقد أن امتلاك السيطرة على الشرق الأوسط احثي لمسرح العملاني الذي يتحرك عليه محور المقاومة، يمكنه من امتلاك السيطرة على نفط العالم وعلى عقد المواصلات والممرات خاصة المائية والبرية في الشرق الأوسط أي الإمساك بقلب العالم على حد بعض التوصيفات، إذا استقام له ذلك يستطيع أن يلغي الإرهاب الذي صنعه ومكنه من الأمر ويشطبه بجرة قلم، لأن الغرب لديه فائض من القوة ومن الثقة بالنفس بان الإرهاب الذي أنتجه لن يتجاوز قرار صانعيه. أي أن الغرب كان يظن انه يبتدع الإرهاب لمهمة محددة ضد المقاومة وترويع الناس ليستسلموا فاذا تحقق ذلك يخنق الإرهاب ويرمي به.
لكن حسابات الغرب لم تكن دقيقة كما يبدو حيث ظهر من الإرهاب بعض تمرد على صانعيه، وبات مستشعرا بفائض من القوة وواثقا بحاجة الغرب اليه ومدى حظوته عند صانعيه، وبات يتجه إلى أن يكون له مشروعه الخاص الذي في بعض أركانه يتقاطع مع الغرب ومصالحه ومع المشروع الصهيواميركي بشكل عام وفي البعض الآخر نوع من تعارض أو تناقض، هنا حاول الغرب بالقيادة الأميركية أن «يؤدب الإرهاب لإعادته إلى بيت الطاعة» وكان ملفتا جدا كيف أن أميركا التي أنشأت تحالفا دوليا لهذا الغرض أكدت اكثر من مرة بان أهداف عملها من خلال التحالف وغيره ليس القضاء على داعش الإرهابية وشقيقاتها بل ضبطها واحتواؤها، في سلوك يؤكد حقيقة العلاقة بين الغرب والإرهاب واستمرار هذه العلاقة وحاجة الغرب اليها.
أما على المقلب الآخر فقد كان قرار محور المقاومة واضحا وحازما في الأمر، قرار على فرعين، الأول يتمثل بعدم الاستسلام للغرب فيما يبتغي من استعمال الإرهاب وعدم صرف الجرائم الإرهابية بالسياسة ووضع بلدان محور تحت السيطرة الاستعمارية مجددا وفرع يتمثل بمحاربة الإرهاب في مسار منفصل ومستقل عن أي عمل سياسي أو إصلاح سياسي لا بل في حرب تتقدم على أي تفكير سياسي لأن السياسة تتطلب روية وهدوءاً لا يتيحه الإرهاب.
ناور الغرب وخادع عله يجني من الإرهاب ما يريد، وظن الغرب أن حجم التدمير والإجرام الذي ارتكبه الإرهاب في سورية سيلوي ذراعها فتستسلم للأجنبي ليعود اليها مستعمرا، لكن الظنون تلك خابت، وأثبتت سورية وحلفاؤها قوة وأظهرت صمودا أسطوريا ما جعل الغرب (يقتنع دون أن يظهر علانية) أن الفشل حليفه في استثماره للإرهاب وأن مصلحته تقضي بالذهاب إلى حل سياسي للازمة السورية يحدد فيه خسائره لأن التأخير في الحل قد يذهب بكل ما في اليد اليوم. ولذلك كان مؤتمر فيينا السوري مؤتمراً تراجع فيه الغرب عن طموحه بالسيطرة على سورية وفقا لتفسيره لبيان جنيف 1 واكتفى بحل يكون هو شريك في صنعه، ما يضمن له وفقا لتصوره مصالح معينة في الدولة السورية التي سيعاد تشكيلها وتشكيل سلطاتها بحضوره.
وفي الحل المبحوث عنه كان طبيعيا ألا يكون للإرهاب محل، فأداة الإجرام تصادر وتشطب عندما يكون صلح وسلام وكان السيد حسن نصر الله بليغاً عندما قال إنه لا مستقبل لداعش في السلم هذا منطقي، ولا مستقبل لها في الحرب والصراع لأن محور المقاومة مستمر في مواجهتها حتى الاقتلاع لأن الإرهاب شعر بقرب النهاية ولمس العجز في الميدان، فانه ارتد إلى صانعيه لينتقم، فالعمليات الإرهابية في باريس بالأمس وقد تكون في أمكنة أخرى من الغرب أو في دول الإقليم التي رعت الإرهاب ليس لها هدف إقامة الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة في أوروبا أو تركيا أو سواها، بل هدفها الانتقام والترويع والمعاقبة، معاقبة من استعمل الإرهاب واستعد للتخلي عنه، معاقبة من عجز عن تحقيق مشروعه بالإرهاب وأن هذه العمليات الثأرية العقابية ستتصاعد برأينا كلما شعر الإرهابيون بقرب نهايتهم في الشرق.
أما وسائل الانتقام وإمكانياته فمتوفرة وكثيرة ولا يغيب حجم الأوروبيين الذين التحقوا بالإرهابيين أو حجم المهاجرين الذين عملوا مع الإرهابيين فان هؤلاء يشكلون مادة كافية لتجنيد الخلايا الإرهابية الكثيرة أما السلاح والذخيرة فأمره غير صعب في عالم اليوم. لذا على الغرب ألا يفاجأ بظهور خلايا الإرهاب الوفيرة العدد أو وقوع الجرائم الإرهابية البالغة الأثر.
والآن بات الغرب أمام خيارين: خيار منطقي موضوعي يتمثل بالاعتراف بالخطأ والمسارعة للتصحيح، وحل انتحاري يتمثل بالمكابرة ودفن الرأس في الرمال والاستمرار في استثمار الإرهاب مع التنصل العلني منه.
فاذا اختار الغرب المسار الثاني يكون عليه أن ينتظر خسائر أكبر تلحق به نتيجة الحرب المفتوحة التي سيشنها الإرهاب المرتد عليه خاصة وان الغرب يقر بأن هناك 10 آلاف شخص يحملون الجنسيات الغربية والتحقوا بالمنظمات الإرهابية وبدأوا بالعودة إلى «أوطانهم».
أما إذا اختار الأول عندها يجب عليه أن يعمل بصدق مع محور المقاومة ومكافحة الإرهاب وأن يتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية تحت أي مسمى بما في ذلك مسمى «المعارضة المعتدلة» التي هي بدعة سمجة، وعليه أن يتوقف عن التدخل بالشأن السوري وليترك للسوريين قرارهم خاصة وانهم أكدوا بأنهم لن يتنازلوا عنه لاحد وأن ما يسمى مراحل انتقالية لانتزاع هذا القرار من أيديهم هو ظن لن يجد له تطبيقا على أرض الواقع.