وأنا عند وعدي وعند الوفاء بعهدي, لكنني أدع هذه الفترة القصيرة حتى حلول العام القادم للتذكر والتفكر فيما يمكن أن يقدمه كل منا لهذه المناسبة الكبيرة.
دمشق.. إرث عظيم لا لسورية فقط وحدها بل للأمة العربية والإسلامية أيضاً.. وجواهر هذا الكنز مخبأة في صدورنا وذواكرنا أكثر مما هي بين أيدينا وتحت أعيننا.
ودمشق ليست عاصمة لسورية بل عاصمة للثقافة العربية والإسلامية عموماً, وإذا كان سكانها لم يكونوا يتجاوزون عدة مئات من آلاف السكان فإنها اليوم تعد بالملايين لأن الذين استوطنوها من الداخل والخارج ولسنين طويلة أصبحوا جزءاً منها ومن تاريخها..
ولأن الذين شربوا من ينابيع حضارتها من الدول العربية والاسلامية لا شك أنهم قادرون على إحياء هذه المناسبة الثقافية حتى من شواطىء استراليا, والشاسع من أميركا, والمتناثر من بلاد أوروبا, إننا جميعاً مدعوون لأن نراهن.. وأن نزامن وألا يكون بيننا متنكر أو خائن.
فأي ملمح من ملامح الثقافة يطل علينا في هذه الفترة إنما هو جزء من الحب لدمشق ومن تأصيل حضارتها وثقافتها.
أتصور أن كل تحفة أو كتاب أو صورة أو وثيقة تقدم لدمشق إنما هي نبرة حنان.. ويد امتنان.. وإن كنا لا نجد متاحف وأماكن لاحتوائها فسوف نضمها بصدورنا وفي بيوتنا.
وماأعرفه من خلال أسفاري الكثيرة وخاصة في البلاد التي كان بينهاوبين سورية علاقات تجارية أو صلات حتى ولو كانت استعمارية إلا وتعرف دمشق وتحتفظ بشيء منها.
هل تصدقون ذلك في قلب الصين وفي متاهات الهند عدا عن الدول التي شقها طريق الحرير? هل تصدقون أن النافورة أو (الفسقية) بالقيشاني تزغرد في قلب واشنطن وأن كتب الحديث من علماء الشام منثورة في اسبانيا والبرتغال? أما الأندلس فتلك قصة أخرى..
نماذج رائعة ومجسمة لمدينة دمشق بتخطيطها وعمرانها, وحتى في حدائقها وبساتينها ومساجدها.. يقف المرء مذهولاً في قرطبة.. ودامع العين في غرناطة وقصر الحمراء وجنات العريف وهي تحمله بأجنحة الملائكة والحفيف إلى قصر في قلب الشام هو من الآثار العظام.
ولعل الدمعة تنفرط أمام الياسمين بفوحه وبوحه عن أصول هذا الزهر الأصيل ويقول: لعلها دمشق.
ويهمنا في العام الثقافي أن نكون جميعاً مؤهلين ومتأهبين لتقديم أجمل صورة عن عاصمة الكنز الثمين لأن كلاً منا له حق في هذا الإرث العظيم.. إرث امتد منذ عشرة آلاف سنة وربما أقدم.. وعانق الديانات السماوية وعرف ترابه أجساد صحابة أبرار.. وأبطال وأحرار حملوا رسالة العروبة وغرسوا سامقات الأشجار من الدين الحنيف في هذا الصرح المنيف.
ولعل الثقافة ليست بحضور المثقفين والاكاديميين والمؤلفين والمبدعين فقط بل هي أيضاً لدى كل مهني أو حرفي أو مواطن مخلص سوري يعرف تاريخه كما يعرف حاضره ليتشوف من خلالهما إلى مستقبله.