وتتلاقى هذه اللغة على الأقل، وتتقاطع مع التعديلات الطارئة على أدوار بعض الأطراف العربية التي تتبادل قيادة التصعيد في رسم سياسة المرحلة التالية، حيث نرى انزياحاً لدور رئيس اللجنة الوزارية العربية أو توارياً مقابل بروز مفاجئ في النبرة لصوت من خارج اللجنة لكنه أصرّ على حضور اجتماعها الأخير في الدوحة في إشارة واضحة إلى التبدلات التي اقتضتها الضرورة العملية في تراتبية الأدوات المستخدمة في تنفيذ المخطط.
في المعطيات ليس هناك ما يرسم مفاجآت كبرى في المنحى الذي تتخذه هذه المواقف، فتقدم محور، وانزواء آخر لا يعني تعديلاً في الأهداف، ولا تغييراً في السلوك، حيث إن عودة الدور الأميركي إلى العلنية في قيادة الحملة ضد سورية سيحضر معه وكلاءه التقليديين ويدفع تلقائياً بالمحور الفرنسي القَطَري إلى الانزواء والوقوف في الصف الثاني مباشرة.
الاستنتاج المنطقي يفضي إلى أن المحور القَطَري الفرنسي قد فشل في تحقيق اختراق فعلي، ولم يعد بمقدوره تصدّر الواجهة كما شهدنا في الأشهر الماضية، مثلما أنّ إقدام أميركا باتجاه الانخراط المباشر في قيادة المخطط وتحديد الأدوار يؤكد ذلك بوضوح.
وبالتالي فإن هذا القدوم الأميركي يقتضي تعديلات في الأدوات المستخدمة في المنطقة وتراتبيتها وقيادتها، وفي المقدمة الطرف الذي سيقود لغة التصعيد السياسي ويكون في الواجهة لإعادة توريط الدور العربي في متاهات جديدة عجز عنها المحور السابق.
والاستنتاج المنطقي كذلك يقول إن لغة القصف السياسي التي تتم ممارستها حيال البروتوكول الموّقع تشي بما لا يدع مجالاً للشك بأن ثمة تحركاً واضحاً لعرقلته ومنع تنفيذه وأن المتغير القادم المنتظر هو في آليات التعاطي التي اقتضت بالضرورة تغييراً في الزعامة العربية لهذه الأدوات.
القمة الخليجية من جهتها لم تقصّر في ممارسة ذلك القصف، والوكيل الجديد للملهم الأميركي في المنطقة لم يخفِ حماسته اللغوية ولا العملية في تقديم الطاعة، وإعلان الرغبة في خدمة التوجّه، وأن يكون مطواعاً في تنفيذ الإيحاءات الأميركية، وتوزيع «التعويذات» الجديدة وفق الحاجة وحسب الظرف.
ومنطقياً، فإن العودة إلى الأوراق القديمة تعني بالضرورة أن الأوراق التي استخدمت ماقبل البروتوكول لم تجدِ نفعاً أو إنها على الأقل استبعدت من الصدارة إلى وقت لاحق، وسيكون دورها الجديد مقتصراً على تقديم الدعم اللوجستي، والترداد ولو بشكل ببغائي لأوامر التعليمات التي ستتلقاها من قبل الوكيل الجديد في المنطقة.
الزعامة الجديدة تريد أن تؤكد حضورها، وأن تثبّت أركان قيادتها، وهذا يتطلب في حده الأدنى تلك اللغة التي سمعناها.. وتلك الأوهام التي سوّقت، والأخطر ذلك المنحى الذي أخذته.
ماهو مؤكد بالنسبة لنا أن المواجهة بالأصالة أو الوكالة.. بأدواتها الجديدة أم القديمة، لاتغيّر في قناعاتنا، ولا تعدّل في رؤيتنا.. كما أنها لم تفاجئنا لأننا ندرك مسبقاً أن الفشل في إدارة المخطط لايعني إلغاءه أو حتى تأجيله بقدر ما سيدفع بإدارته إلى تغيير في السلوك وربما الأدوات وصولاً إلى الزعامات..
بين زعامة مستجدة وأخرى متمرسة في خدمة المشروع الأميركي، وإدارة أدواته في المنطقة، لايبدو الفارق شاسعاً، وبين عجز بالوكالة أو الأصالة لا استنتاجات تُقرأ عدا أنّ الفشل كان عنواناً لمرحلة مضت، ويلحّ أن يكون العنوان لما هو قادم.. لأن المشكلة ليست في الأدوات أو الأدوار، ولا في الإدارة أصالة أو وكالة بقدر ماهي في مشروع مأزوم.. وفي مخطط طحنته الأخطاء والقراءات المغلوطة.. وغطرسة الفجور السياسي.
a-k-67@maktoob.com