ولكن ماذا عن (يد الله) كما أرادت غريس هالسل أن تقدمها في كتابها الرائع الذي يحمل العنوان نفسه: (يد الله: لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل) وقد ترجمه إلى العربية محمد السماك.
بداية لابد من الاعتراف أن الاعلامي والزميل المتميز نضال زغبور قد حرضني ودفعني إلى العودة والبحث في هذا الكتاب من جديد.
التحريض مرده أن الصديق نضال أخذ علي أني لم أميز بين اليهودية والصهيونية في مقال نشر هنا الأسبوع قبل الماضي.
بداية لاشك أن اليهودية كدين سماوي موضع احترام وتقدير ويجب أن نفرق بينها وبين الصهيونية الآن، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل بقيت اليهودية يهودية.. أم تحولت أو خطفت، هل يد الله هي التي قدمتها إلينا هكذا كما تقدم الآن..
اليهودية كدين سماوي لم تعد موجودة أبداً حتى في الخيال إلا ما ندر وعند من عصم ربك.
وهل لنا أن نسأل الذين يدّعون اليهودية كيف لنا أن نقبل أن يكون الأنبياء قتلة وفسقة وخائنين كما في التوراة أو بالأصح كما صورتهم التوراة الحالية.. أسأل: هل حقاً هو نبي من يقدم زوجته لآخر على أنها أخته ويتمنى عليه أن يتزوجها، لم يفعل هذا مرة واحدة بل مرتين وعند ملكين مختلفين في أرضين متباعدتين قليلاً هكذا صورت التوراة النبي إبراهيم.
أيعقل أن يكون ذلك.. وماذا عن لوط الذي أسكرته ابنتاه وأخذتاه إلى كهف في الجبل ثم ضاجعتاه.. أحقاً هذا نبي كما تقول التوراة.. أم ماذا عن داوود النبي- وطبعاً حسب التوراة الحالية- داوود كان يمشي على سطح منزله حين رأى زوجة جاره تستحم فوقعت في نفسه، سأل عن زوجها وقيل له إنه جندي، فطلب من قائد جيشه أن يزجه بالمعارك وألا يعود به حياً أبداً وكان له ما أراد وتزوج داوود جارته بعد ذلك .. فهل هذا نبي..؟ وماذا عن يهوذا الذي يزني بكنته (ثامار).. أهذه هي صفات الأنبياء.. معاذ الله..
التوراة والتلمود قاموس فسق وعصيان ومن لم يقرأهما فليعد إليهما وأمامه ما يجعله يطرح ألف سؤال وسؤال.
ثم من قال إن الصهيونية غير اليهودية كما حرفت وصارت.
أوردنا في مقالنا السابق قول أحد الصحابة: أتعلمنا ديننا يا بن اليهودية.. لم يقل يا بن اليهودي.. لسبب بسيط هو أن اليهود ينسبون الأولاد لأمهم وليس لآبائهم ولهذا دلالاته.. وإسرائيل اليوم تفعل الشيء نفسه.. ألم تذكر أيها الصديق فيما بعد أن يصر أولاد المصريين من إسرائيليات هؤلاء حسب الشريعة اليهودية يهود لأن أمهاتهم يهوديات وحسب الشريعة الإسلامية هم مسلمون..
ومن يطلع على ما سمي (وثيقة استقلال إسرائيل) وقد جاء فيها: إن إسرائيل دولة لكل أبنائها، وتفسر الوثيقة هذه العبارة بالقول: كل أبنائها هم اليهود أينما كانوا وهنا نصل إلى ما يجري الآن ويطرح حول يهودية إسرائيل والعالم الذي يعمل كله معها على تنفيذها ألا يحاولون أن يحولوا أوطاننا إلى دويلات طائفية ومذهبية لتكون إسرائيل دولة يهودية بامتياز ثم نقول إن اليهودية غير الصهيونية..؟!
لا أظن أن باحثاً عربياً قدم في الدراسات اليهودية كما فعل الراحل عبد الوهاب المسيري، إذ قال في كتابه: اليد الخفية (يجب أن نتذكر أن اليهودي الذي يفر من بغض أعداء اليهود وحربهم ضده هو نفسه الذي يصبح مستوطناً صهيونياً يغتصب الأرض العربية ويتحول بعد قليل إلى الجندي الصهيوني الذي نراه على شاشات التلفزيون يقتل الأطفال العرب أو يكسر عظامهم..)
اليهود هم شعب القطيعة مع الدين السماوي الحقيقي وقد شوهوا سيرة الأنبياء والرسل في التوراة- حسب جورجي كنعان وآخرين ليبرورا لأنفسهم ما قاموا يقومون به من جرائم وفظائع بحق الانسانية .
ومن هنا أرادوا أن تبقى عقدة الشحن والبغضاء ضد الآخر أينما كان ومن كان ألا يقولون في تلمودهم: إن الله خلق الآخرين على شاكلة الإنسان ليكونوا لائقين لخدمة اليهود.. أليست الصهيونية هي أحد تجليات ذلك..؟!
وبالعودة إلى كتاب (يد الله..) غريس هالسل تبحث عن نبوءة معركة هرمجدون وكيف صارت الولايات المتحدة الأميركية أسيرة هذه الفكرة وكيف يعمل قادتها من أجلها وبالتأكيد يرى الأميركيون أنهم أمة القطيعة مع كل شيء قبلهم ولذلك هم مكلفون برسالة سماوية عليهم أن يقودوها مهما كان الثمن تجلى ذلك صراحة وعلانية مع ريغان وتنامى مع جورج بوش الابن الذي قال إن الله يلهمه يقوم به..
يد الله أرادوا لها أن تكون الدمار والموت، وبين القطيعتين ثمة دمار وخراب لن ينتصر ويهودية مدنسة ليست ببراءة الرسالة وكل يهودي بالضرورة -إلا ما ندر- صهيوني وليس كل صهيوني يهودياً، فالصهيونية صارت أخطبوطاً وكثيرون هم في ركابها.
d.hasan09@gmail.com