فجأة يجتمع الفلوكلور التكاذبي اللبناني, حاملا مسميات على وجه السرعة, من الأخوة الوطنية, فيختلط الهتاف لجعجع بالصراخ لجنبلاط, بالعياط لعون فوق.. ضريح رفيق الحريري!!?
ويأتي بعض من استطالت أحقادهم في حاضنات الأسر العريقة في انعزالها ليلقوا الدروس في الانتماء على اللبنانيين.
ما من أحد ضد وحدة لبنان, هذا البلد الصغير المطيف والممذهب والمعوئل.
لكن من يصرخ الآن بالديمقراطية لم يهبط بالسلة من السماء, إنهم مجربون جميعا, طائفيون وذباحون وإلغائيون بامتياز.
سريالية لبنانية.. نعم.
نوع من مسرح اللامعقول.. أكيد, فكل شيء مباح في تسويق تأبيد أمراء الطوائف على الخازوق اللبناني تحت كلمات يحبها الشبان كالديمقراطية والسيادة والاستقلال.
لا أحد ضد هذه المفردات.. إن صدرت عن أناس يؤمنون بها, لايتوسلونها لإلغاء الآخرين.
لا أحد ضد أي من هذه الكلمات الأخيرة في هذا العالم العربي القمعي حتى النخاع.. إن كانت تعني لبنان, كل لبنان, لا فئة أو جهة تسحبه من جديد نحو المياه الآسنة.
لا أحد ضد أي من هذه الشعارات, إذا كانت تعني علاقة أخوية بالجار.. لا توسلاً لانسحابه ثم مد اللسان في ظهرة والذهاب إلى انتدابات تعود إلى مطلع القرن.
من عيونهم تعرفونهم, من صراخهم فمن باع البارحة في سوق النخاسة السياسي ينزل السوق اليوم وسيجلس على المرفأ غدا..
ما أحدثه رحيل رفيق الحريري أن سوية الخطاب السياسي انحطت من الشوارعية إلى الأزقة وما من (دومري) يريد إضاءة مصابيح هذه الأماكن الموحلة? مكانس وزبالون وصراخ سابلة أتوا من مغاور الحقد الطائفي المبرمج, مع ملتاعين يريدون الحقيقة حيال اغتيال الحريري.. انقضوا على الضريح في تحابب عز نظيره ملتحفين التقدم المعولم الذي يرطن بثلاث لغات.. أقلها العربية الحضارية..
أما الموالاة.. فبعضها اختفى صوته تماما أو بلع لسانه وبعضها انبرى في خطاب ليس أفضل أبدا من خطاب المعارضة, ألم أقل لكم فلكلور.. زجل, والزجل يحتاج إلى زجال يرد على منافسه.. ليبطحه.
الموالاة.. لم تقدم طيلة السنوات الماضية نموذجا استقطابيا, إنها كيدية بإمتياز, وذات لغة من جص. وبلا تكاذب بدت السلطة بعد مقتل الحريري في برج نحسها, لم تخاطب الناس. لا بل تناقضت أقوال المسؤولين وتضاربت.
اثنان في هذا البلد عاقلان رغم حمأة الشتائم والصراخ واللعب من تحت الطاولات والمكانس والتهديدات والمستقبل الرمادي المائل إلى السواد..
اثنان هما السيد حسن نصر الله الذي يعي خطورة وضع المقاومة وأن الهجمة التي ترتدي لبوس انسحاب سورية هي في داخلها إلغاء للمقاومة نفسها, ورغم ذلك تجيء مقاربته حضارية ووطنية. الثاني هو البطريرك صفير الذي ما أن شهد ذهاب المعارضات, التي ساهم في تغذيتها, إلى آخر التطرف حتى أعلن بحس عال بالخطر المحدق بلبنان وجوب عدم الولوج إلى هذا النفق المظلم.
لكن في بلد يقتات على سنديانه ويوقد لحمه هل من مكان للعقل?!
إنهما معاً لامعارضة ولا موالاة.. إنهما معاواة.
حاشية أولى وأخيرة:
فعلها الأفندي عمر كرامي واستقال تحت ضغط كرامته.. حسنا لملم جراحاته الشخصية وإرثه العائلي.. لكنه الوطن يا.. أفندي.
*صحفي لبناني