لكننا اليوم, وفي ما نعاصره من الزمن الاميركي الاسرائيلي, نشهد أنهاراً من الجنون, تخترقنا أو تحيط بنا, تنبع من خارج جغرافيتنا, تخترقها وتحاول تفتيتها تدغدغ عطشنا, لكنها تقودنا الى الجنون بما دُسّ لنا من سموم فيها وعلى متون موجاتها المتلاحقة.
كنت اتابع النائب اللبناني السابق نجاح واكيم اول امس على قناة المنار وهو يتحدث عن زوار السفارتين الاميركية والفرنسية في بيروت, عما يقبضونه وعما يدفعون, بالوثائق والأسماء كما قال, وهو الرجل المعروف بعروبته ونظافته يداً وروحاً ودقة معلوماته, وتساءلت عن أولئك الذين (يضطرون) الى الشرب من نهر الجنون أو الخوض في مياهه, سواء في العراق أم في فلسطين المحتلتين أم في لبنان, حيث يفيض النهر الثالث ويفيض الجنون ويزبد في تياراته وموجاته.
ثمة من يشرب من نهر الجنون وهو واعٍ ومدرك لما يشرب وبثمن أو أثمان تدفع نقداً أو عيناً, فتراه وقد انقلب كما لم تعرفه من قبل وكما لا تتوقع أن تراه يوماً, فيذهلك الانقلاب, يشتت عينيك ويعقد لسانك وتصمت, لا لسبب إلا لأنك تعجز عن الفهم والتفسير, فأنت لم تقرب مياه النهر ولا تريد.
وثمة من يشرب من نهر الجنون دون وعي ولا ادراك لحقيقة منبع النهر ومصبه, أو لحقيقة الجنون المدسوس في مياهه, يغريه انسياب الماء على السطح, فلا يدرك له عمقاً أو نبعاً أو اتساعاً, فيذهب الى الجنون متوهماً أنه الحرية!!
هكذا ينقلب الاسود الى أبيض, ويختلط الجبس بالعدس, يصير العدو حبيباً والشقيق عدواً, فحبيس الطائفة ينظر في العلمنة والعولمة وسجين العائلة يحاضر في علوم المجتمع والدولة, أما التقدمي الاشتراكي فيغدو وكيلاً حصرياً لشركات الانتداب ومكاتب طلب الحماية الدولية!!
فإذا ما اختلطت الاتجاهات على الشاربين من نهر الجنون أو السابحين فيه, فإن لكل الأنهر اتجاهاً واحداً للتدفق, والتيارات لا تنقل أحداً من المصب الى المنبع, من يشرب هنا يجن هنا?
ولماذا لا يكون نجاح واكيم إلا صادقاً, إذا كان وزير التعليم العالي في حكومة الرئيس كرامي المستقيلة قد فشل في اقناع وسيلة إعلامية لبنانية واحدة ان تنشر أو تذيع ما كتبه ويشرح فيه ملابسات الاغتيال وآخر التحقيقات فيه كما أبلغ فضائية الجزيرة ممتناً لها.
ماكدونالد شاركت وبفاعلية في توزيع وجبات من نهر الجنون في بيروت, وثمة من قدم الألوان والزهور واختار الشعارات!.
ˆ