سألوني في إحدى الصحف عن رأيي في المونديال سؤالاً ينطوي على إجابة ضمنية أن السماسرة والشركات الاحتكارية يستغلون هذه المناسبة لجني الأرباح الفاحشة فيجعلون كرة القدم مطية لاستغلال الشعوب، وتوقعوا أن تلهبني الحماسة فأستخف بكرة القدم وأشن هجوماً ساحقاً على الاستعمار وأذناب الاستعمار.
فاجأته أنني أحب كرة القدم وأتابع المباريات النهائية منذ عام 1970 عندما كنا نصحح أوراق الامتحان في اللاذقية فاستطاع المهندسون السوريون في التلفزيون أن ينقلوا المباراة النهائية من الأقمار الصناعية التي جرت في المكسيك بين البرازيل وإيطاليا وفازت فيها البرازيل (4-1) بفضل أهم لاعب في العالم (بيليه) أو (الجوهرة السوداء).
(البير كامو) الكاتب الفرنسي الشهير الذي مُنح جائزة (نوبل) بدأ حياته في الجزائر لاعب كرة قدم وكان عضواً في نادي (شباب بلكور) الجزائري العريق، وثمة عدد من كتابنا في سورية يحبون كرة القدم ويتابعونها منهم عادل أبو شنب وشوقي بغدادي والمرحوم هاني الراهب.
يقول المتنبي يا صاحبي:
كلما أنبت الزمان قناة
ركب المرء للقناة سنانا
أي إن الإنسان بطبيعته نزّاع إلى استغلال المواقف والطغيان، وبحسب طبيعة العصر يكثر السماسرة والقناصون ولكن هل نمتنع عن ارتداء الثياب إذا كان المحتكرون يحتكرونها؟
دع كل هذا وانظر إلى سورية وحدها، إلى الشاشات الكبيرة في الساحات العامة وإلى المقاهي والفنادق تنقل مباريات المونديال ويلتم حولها الناس شباناً وشيباً، انظر إلى الفرح يتلألأ على الوجوه، وإلى المماحكات بين المتابعين وكل يحمل علم البلد الذي ينتمي إليه فريقه المفضل (وما يجري في سورية يجري في سائر بلاد الدنيا) لقد وحد المونديال العالم تحت رايته وجعله يتجمع في جنوب إفريقيا التي أنجبت (نيلسون مانديلا) جعله عرساً عالمياً يتجلى كل أربع سنوات بالبهجة والفرح كما تتجلى الأعياد الوطنية .
كرة القدم بطبيعتها الجماعية وتألق عدد من النجوم فيها تعد الرياضة الأكثر شعبية في كل بلاد العالم. في المغرب العربي وخاصة الجزائر يدهشك انشغال الناس شباناً وشيباً بها واهتمام جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ونقل المباريات المحلية ( الكأس وبطولة الدوري) ونقل المباريات العالمية والتركيز على المباريات الأوروبية .
عندما استلمت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ركزت على الرياضة وعلى كرة القدم بغاية شد الناس إلى الشاشة وخصوصاً الجيل الصاعد، وعملت على نقل المباريات المهمة (المحلية والدولية) فسألني أحدهم هل أنت قادم من (اتحاد الكتَّاب) أم من (الاتحاد الرياضي)؟
وفي هذه الدورة التي تبثها الجزيرة الرياضية (مشفرة) كثر السماسرة الذين يستغلون لهفة الناس عندنا فينشطون بأساليب شتى من الخداع كبيع أجهزة ( ريسيفر) فيها أعطال خفية يشغلونها أمامك ويختفون وعندما توقفها وتعود إلى تشغيلها تكتشف أنها غير صالحة، أو يخدعون الناس ببيع أجهزة يضعون عليها (لصاقات مطبوعة) يزعمون أنها من نوع متميز ويرفعون سعرها، أو ببيع بطاقات (فك الشيفرة) بأسعار مضاعفة.
anhijazi@gmail.com