هذه أرض الحجاز يا أخي وليس مملكة سعود, وهؤلاء عرب الحجاز وليسوا سعوديين .. فهل تختصر كل قبائل العرب وعشائرهم وأفخاذهم وبطونهم وأصولهم بآل سعود, وهل يختزل التاريخ والجغرافيا بما فيهما الأرض والتنزيل المقدسين بمملكة سعود الآيلة للسقوط طال زمانها أم قصر؟
ومع أن شكوى الرجل محقة تماماً وكذلك تصويبه ذلك التوصيف, إلا أن ما لفتني هو تعريفه بنفسه بأنه «مواطن سوري عادي» دون نسب عائلي أو قبلي أو ديني أو سياسي, وخارج تصنيفات الموالين أو المعارضين أو الصامتين أو الحائرين.. مع أنه.. وبواحد من هذه الأنساب ربما يكون ذلك المتصل وعائلته ضارباً في عمق هذه الأرض السورية عشرة آلاف عام من التاريخ والحضارة .. وليس مجرد كثيب رمل تذروه رياح الربع الخالي ولعنة النفط بين هنا وهناك ! فهل يفكر أهل جزيرة العرب من نجد وحجاز وغيرها بهذه الطريقة, بل هل يجرؤ أحدهم أن يوصف نفسه بأنه نجدي أو حجازي دون أن يخبرك أنه سعودي أولاً؟
أعجب لأهل جزيرة العرب.. وهم على ما يفترض بهم أهل نخوة وفروسية وصحابة قداسة ونبوة, ورواد تحرر واستقلال, وعلى ما يدعونه ويثرثرون فيه من صلات دم ووشائج قربى بالحسب والنسب وبالأصول والجذور, أعجب لهؤلاء أن يطأطئوا الرأس والهامة... وكذلك «الحطة والعقال» أمام ثلة من طغاة عائلة متحكمة يكشف العديد من دراسات النسب والأصول عن أصولهم الخيبرية, وعن ولائهم التاريخي المزمن لكل قوى الشر والعدوان .. ولو تمسحوا ظاهراً بالدين وتلبسوا لباس السنة والحديث!
أعجب لأهل نجد والحجاز وغيرها كيف يستكينون صاغرين لجوع الكثيرون منهم ولتشرد آخرين على أرضهم.. وهم السابحون على بحور النفط والثروة المهداة مجاناً لكل من هب ودب من صهاينة ومتصهينين.. وبينما المليارات من الدولارات تدفع بين حين وحين ثمناً لفولاذ أميركي لا يلبث حتى يتحول خردة في بضع سنين, بل ثمناً لملذات فردية كل الأحيان.
أعجب لهؤلاء كيف ينتخون لثلتهم الطاغية إياها وهي ترشو حيناً وتتسول حيناً نعال الأغراب وغربانهم وخناجرهم كي تطأ أرض السوريين ومن يفترض أنهم, بحسب ثرثرة صلات الدم ووشائج قربى الحسب والنسب, إخوتهم فتدمر عمائرهم وتسفك دمهم, بل أعجب لهؤلاء كيف يستوون بإبلهم وماشيتهم في السوق والانقياد الأعمى.. إذ كلاهما يساق.. فلا فرق بين راع ورعاع بينهم!
يكفيك صديقي المتصل شرفاً وفخراً وحسباً ونسباً أن تكون مواطناً عادياً من سورية على أن تكون عباءة مطرزة بخيوط الذهب.. ومحشوة بالأحقاد والخناجر والانحطاط؟
يكفيك صديقي المتصل نبلاً وأصالة أن تكون سوري الهوى والهوية ولو كنت جائعاً أو جريحاً أو شهيداً عن أن تكون رأساً في قطيع «طرش».. ناقة أو قاعوداً مجللاً بالذهب مبللاً بالنفط ومعلوفاً بأكداس الدولارات, تهرول بين كثبان الرمل على غير هدى.. كالعميان!