تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دمشق الأوابد .. استنبول الزعفران

معاً على الطريق
الخميس 25-3-2010م
خالد الأشهب

لولا اللغة المختلفة والكلمات غير المفهومة المتناثرة هنا وهناك , لكان للقناطر الحجرية والدروب الضيقة المتفرعة المرصوفة بالحجر , والبسطات الملونة الممتدة خارج الحوانيت,

ولكان لعبق البهارات والمكسرات وللشموع والقيشاني أن تهمس في أذنك على مدار اللحظة.. انتبه.. أنت في بزورية دمشق أو في حميديتها أو سوقها الطويل!‏

لكنك, لست في مدحت باشا دمشق, بل في محمود باشا استنبول, حيث التكايا والمرايا والأواني, وحيث عبق الطيب والزعفران ينتشر في تلك الدروب أبداً, يحملك إلى دمشق قبل أن تكمل رجلاك خطوة على الدرب, وكما في دمشق كذلك في استنبول, تستطيع أن تجادل الباعة وأن تخفض السعر إلى نصفه, خاصة إذا عرفوا أنك قادم من شام شريف!‏

معظم استنبول خارج جدران محمود باشا تنتمي إلى العصر الراهن , حيث تقنيات الضوء والكومبيوتر والإعلام, والأدراج الكهربائية والمجمعات والماركات التجارية الكبرى وعبق البارفام والحسان العاملات وقارورة الماء المعبأ, تنتمي إلى الحداثة بأبسط تعبيراتها في حياة الناس, وحيث لم تدر استنبول الظهر إلى محمود باشا أو السلطان أحمد أو آية صوفيا أو غيرها, بل أحسنت إعادة إنتاجها وتحويلها إلى واحد من أهم مصادر الدخل والسياحة, ولعلها نجحت ليس في التوفيق بين فخار التراث وكريستال العصر فحسب, بل في تخديم متطلبات العصر بكنوز التراث, وليبدو التاريخ مستمراً دون انقطاع أو فجوة.‏

خرجت استنبول من دروب محمود باشا الضيقة المرصوفة دون أن تخرج من ذاتها ودون أن يغادرها عبق الزعفران , استبدلت العباءة والرمح والحصان بربطة العنق والكومبيوتر والسيارة, لكن أوار الحنين إلى أريج الشرق ظل حاراً في صدرها لم تأنف منه ولم تتمرد عليه.. أخذته معها وقدمت نفسها إلى العصر مندوبة مدن الشرق المستيقظ للتو أمام المستقبل.‏

ليست البقلاوة «الباكلافا» فحسب صناعة للتداول والتصدير في استنبول, بل الإعلام أيضا والثقافة والكتاب.. حين يعجز الزائر إليها في العثور على ورقة وقلم في مؤسسة إعلامية كبرى تملأ الشاشات وتقنيات المعلومة والعيون الحور أروقتها, فيضطر إلى «اللابتوب» كما إلى الياقة المنشاة وربطة العنق في مطعم عثماني عتيق على ضفاف البوسفور؟‏

نريد للتاريخ أن يستمر في دمشق دون انقطاع أو فجوة وهو يفعل ذلك اليوم وصلاً وتوصيلاً كما لو أنه الإعجاز, ونريد أن تقبع أرواحنا بين أوابد الألفيات الست أو السبع المتوالية المقيمة بين ظهرانينا, ولكن, نريد أيضاً أن تواصل دمشق مد الرأس والأطراف إلى المستقبل, أن تحتكم على العصر والحداثة كما احتكمت على التاريخ والأوابد!!‏

تعليقات الزوار

محسن |  MERMAR.MOHSEN@HAWA.COM | 25/03/2010 12:05

مقال رائع احييك عليه لأنه ببساطه ينبض بالصدق المنبعث من اللهفه دوما لأعادة الامور الى نصابها الطبعي لأنه من الطبيعي ان تكون الاواصر بين سوريا الاوابد وتركيا الحضاره او بين الدول العربيه بعضها مع بعض على احسن حال. شكرا لك.

زياد الصيداوي  |  zead-sed@scs-net.org | 25/03/2010 19:23

الشعبين العربي والسوري والتركي تنفسوا الصعداء بعد مراجعة العلاقات الاخوية بين الاترك والعرب ونظروا باعجاب لتطور العلاقات على اسس سليمة بعد المبالغة في تشويه تاريخ التحالف والتفاعل بين العرب والترك الذي شكل امبراطورية لها وزنها في التاريخ التي كان من اعظم مواقفها رفض السلطان عبد الحميد اعطاء فلسطين وطنا لليهود وبهذا الموقف ادعو مثقفي الامة ومنتجي المسلسلات التاريخة الى مراجعة التحامل وتشويه التاريخ المشترك للشعبين وتسليط الضوء بموضوعية على تلك الحقبة مع عدم انكار ان هناك أخطاء كل مرحلة لها اخطاء الخاسر الاكبر من تطور علاقات الانسجام والتلاحم والتفاعل بين العرب والترك هو اسرائيل اللتي استغلت جفوة الماضي للتحالف مع تركيا ضد سوريا والعرب ولكن فطنة الشعبين والارادة السياسية قلبت الموازين وعاد الاخوة متحابين

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 خالد الأشهب
خالد الأشهب

القراءات: 2201
القراءات: 2102
القراءات: 2524
القراءات: 2481
القراءات: 2255
القراءات: 2623
القراءات: 2569
القراءات: 2504
القراءات: 2274
القراءات: 2598
القراءات: 2809
القراءات: 2701
القراءات: 2402
القراءات: 2862
القراءات: 2930
القراءات: 3012
القراءات: 2794
القراءات: 3170
القراءات: 3122
القراءات: 3227
القراءات: 2625
القراءات: 3093
القراءات: 3580
القراءات: 3342
القراءات: 3399

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية