المسألة ليست عفوية، ولاهي خارج الأجندات المرسومة، لكنها في سياق إظهارها جاءت كمحاولة تعويض عن النقص الحاد الذي واجه انتقائيتها للأخبار من جهة، وعملية لاختلاق فرضيات تخدم تمنياتها وأضغاث الأحلام التي تورمت لديها من جهة ثانية.
بالطبع لم يكن التقرير ولا المراقبون ولاحتى رئيسهم خارج سهام تلك الحرب.. لكن اللافت أن تموج تلك السهام باتجاهات مختلفة بلغت حد إعادة نشر خبر مضى عليه أكثر من شهرين على لسان مسؤول روسي في تصويبٍ للنار على الموقف الروسي، أو الغمز من قناته؟!!.
نعتقد أن الأمر لو حصل مع أي حدث آخر في هذا العالم.. أو لو أنه في جو غير الذي يمطره التحريض والفبركة بوابل من الأكاذيب، لكان تصدر نشرات الأخبار والتقارير والتحليلات وجهزت لأجله الاستديوهات، واستنفر الكتّاب والمحللون والمختصون لمناقشة هذا التجاوز الخطير للمهنية وأسسها وأخلاقياتها!!.
لكن لأن الأمر يتعلق بسورية وحفل الأكاذيب متواصل، فإنه لم يستدعِ أكثر من أن تقوم رويترز بسحب خبرها، بينما بقيت قنوات سفك الدم السوري محتفظة به على شريطها الإخباري دون أن يرف لها جفن!!.
طبعاً ليست المرة الأولى التي تمطرنا تلك المحطات المتزعمة للحرب الكونية بهذه الأكاذيب والافتراءات غير أنه كان لافتاً ومريباً أن تصل سهامها باتجاه روسيا التي دخلت على مايبدو في حسابات تلك المحطات إلى ساحة الاستهداف المباشر عبر تركيب وتلفيق تصريحات لا تخفى أهدافها وغاياتها على أحد..
الغريب أن تتعاطى «رويترز»، التي بنت عرشها الإعلامي على مدى عقود وربما قرون، بهذه السذاجة المكشوفة وخصوصاً أن الأمر تكرر أكثر من مرة.. وبالتالي ليست مصادفة بريئة على الاطلاق ولا يمكن لعاقل أن يقبل بهذا التبرير.. حيث تقف خلفه صفقات وعباءات ملطخة انتفخت بأموال النفط، بدأت تتكشّف فضائحها المدوّية، والثمن المقبوض سلفاً!!.
الواضح أن حرب التلفيقات كانت توطئة مباشرة لعدوان إعلامي وبداية حملة جديدة غايتها محاصرة الارتدادات المتتالية الناتجة عن الفشل في توظيف التقرير ووجود المراقبين حين خرج عن السياق المرسوم له بشكل كلي.. والأوضح أن المسألة المهنية باتت تجارة رخيصة في زمن تحول فيه دم الشعوب وحياتها إلى دريئة تصوب إليها السهام من كل حدب وصوب، والغاية التي لم تكتفِ بتبرير الوسيلة، بل أيضاً تحولت إلى وسيلة بحد ذاتها..!!
نجزم أن هناك من يُفجع بما يجري.. لكن في الشطر الآخر تبدو الفجيعة الكبرى أن يذهب كل ذلك هباءًً.. دون جدوى.. سوى أنه سيسجل التاريخ يوماً أن ذلك الإعلام استخدم أقذر أدواته.. وأبشع وسائله.. وصولاً إلى تحويله دم الشعوب إلى متاجرة رخيصة كأموال عباءاته.
وربما ماهو مفجع أكثر أن يقود الفشل والخيبة إلى هذا الدرك من الحقد والضغينة وأن يكون المال الخليجي القذر سمسار الحالة الإعلامية دون منازع.. وأن يكون مصدراً لكل الموبقات التي اقترفت منذ بدء الأحداث.. من كذب وافتراء وسفك للدم ودعم للإرهاب والقتل!!.
بالنسبة لنا لانعتقد أن هناك من تفاجأ بذلك الدرك.. ولا بأن تصبح أموال الخليج خنجراً في ظهر الشعوب العربية.. وهي التي حرمت منها على مدى العقود الماضية.. ولا أن تكون عنواناً فاضحاً للقتل والدم ودعم الإرهاب ونشره، والانحطاط والدونية الأخلاقية والمهنية في سبيل بقاء سلطة أصحاب الجلالة والسمو؟!!.
لكن في الوقت ذاته ثمة من يراهن على أنها حرابهم الأخيرة.. وقد تورّمت واستطالت.. إلى حدّ أنها أفسدت عقولهم.. ووأدت ضمائرهم وأودعتها بأجر بخس للأميركيين والإسرائيليين.. لأن التسابق - وكالة وأصالة - على الإمعان في سفك دم الشعوب العربية والفتك بها خدمة لأولئك يوحي.. بل يؤشر إلى نهاية مزرية باتت قريبة.. وفي أقلها أن هذه الأموال المتورمة نهباً وتوظيفاً ليست ملكهم.. بل هي للشعوب التي تُدار الحروب باسمها وتُداس القيم تحت يافطتها وتُنتهك المبادئ في ظلالها.. وربما جاءت لحظة الحقيقة لاستردادها من تلك العروش الآيلة للسقوط..!!
a-k-67@maktoob.com