غير أن مجريات الأحداث منذ ذلك الحين مع ما رافقها من متغيرات دولية أظهرت أن دور الوسيط إياه بات استحواذاً أميركياً شبه كامل , بل تجاوز في الكثير من المواقف والمراحل حدود الوساطة وشروطها وتحول إلى الاصطفاف في موقع الطرف مرة بحكم الانشغال الروسي بعملية التحول الداخلية إثر انهيار الاتحاد السوفييتي , ومرات بحكم الانحياز الأميركي الكامل إلى جانب الطرف الإسرائيلي . وبالتالي , كان طبيعياً أن تتوقف العملية السلمية عن السير إلى الأمام , بل وأن تتراجع بعد أن انتقل الوسيط الأميركي إلى موقع الطرف وانشغل الوسيط الروسي بترتيب بيته الداخلي .
اليوم ومع الجهد الروسي المشهود في استعادة موقع الدولة العظمى وفي استعادة مواصفات الموقع وما يفترض له من أدوار ومهمات وأطياف تأثير , فإن من أولويات هذه الجهود استعادة النصف الروسي من دور الوساطة في عملية سلام الشرق الأوسط , لما لذلك من أهمية قصوى بالنسبة إلى روسيا , إذ إن الحلم الروسي القديم بالوصول إلى المياه الدافئة لا يزال محمولاً على تلك الاستعادة , فضلاً عن أهمية منطقة الشرق الأوسط الجيوسياسية , وأهمية أن يسودها السلام والاستقرار كمقدمة لا بد منها لاستقرار العالم كله من جهة ولبناء وتطوير أي علاقات اقتصادية تنموية فيها من جهة ثانية .
زيارة الرئيس الروسي ميدفيدف إلى دمشق والمحادثات التي أجراها مع الرئيس الأسد جزء مهم من الجهد الروسي وتطلعاته الطموحة , سواء كان هذا الجهد سياسيا أم اقتصاديا , غير أن السياسي يتقدم الاقتصادي بالطبع , ويشكل التمهيد الضروري لنجاحه وتفعيله , بالنظر إلى ما تعانيه المنطقة من افتقاد للسلام والاستقرار وللبيئات اللازمة لتطوير العلاقات الاقتصادية , والسياسي يعني بالضرورة اليوم دوراً روسياً متجدداً وفاعلاً ومؤثراً في صناعة السلام وفي تخليص المنطقة من أسلحة الدمار الشامل , دور لا بد أن يستعيد حيويته وفاعليته إذا كان الحضور الروسي في الشرق الأوسط لا يزال طموحاً !