ولعل البارز في هذا السياق النبوءات الجديدة التي يطلقها الكثير منهم حول العولمة ومستقبل التعاطي معها, بعد الخيبات التي برزت في سياق التداعيات الناتجة عن تطبيقات تلك الأفكار والنظريات.
وهي نبوءات تقدم في جزء منها على أنها البدائل الجديدة التي تستطيع تجاوز تلك الخيبات, وتقدم في الوقت ذاته حلولا جذرية للمعضلات التي تواجهها البشرية في مرحلة ما بعد العولمة, أو مرحلة التقييم كما تدرج تسميتها في بعض التنظيرات, لكنها في الجزء الآخر تمثل انقلابا حادا على كل ما قدمته, وتنسف كل ما جاءت به, يتجاوز حدود البدائل والتعديلات.
هذا الارتداد من موقع المتحمس إلى دور المشكك في جدوى التمسك بها, يعيد إلى الذاكرة المواقف المتباينة التي ظهرت عشية التصدع الذي أصاب التجربة الشيوعية في العالم, وظهرت بشكل لافت عقب الانهيار الذي واجهته, فكانت الارتدادات من كل حدب وصوب, وظهرت مواقف لم تكتف بإعلان البراءة من احتمالات التحمس يوما لتلك التجربة, بل وقطعت أي صلة بكل ما يمت إلى تلك الحقبة.
الفارق الوحيد بين اليوم وما جرى آنذاك أن من يطرحون بدائلهم لم يجزموا بعد بأن التصدعات الحاصلة قد تؤدي إلى سقوط نظريات العولمة, وما أصابها قد يكون عارضا, يمكن تجاوزه, وبالتالي فإن حدود التشكيك بجدواها, أو ملامح الارتداد عنها لم تصل مستوى القطيعة.
وحتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود, ثمة مساحة لكثير من الطروحات التي تغيب عنها الألوان, وتكون أقرب إلى الرمادية منها إلى أي لون, وستكثر مع الخيبات والتداعيات التي تتتالى تباعا على أكثر من صعيد.
ومع الأزمات العاصفة التي تدق ناقوس الخطر بدءا من أزمة الغذاء وليس انتهاء بأزمة الطاقة ومفرزاتها, سنشهد توالدات سرطانية, وتفش غير مسبوق للأفكار الرمادية التي ستطغى على سواها, ريثما يتحدد الموقف النهائي, ويتم تحديد اتجاه المعركة التي على البشرية خوض غمارها مع تلك الأزمات التي تعكس ترسبا واضحا لمنطق العولمة الذي يواجه فشلا يتجاوز حدود الخيبة الظاهرة اليوم.