حتى باتت دعوات عدم الاستباق موضة يتلبسها البعض للخروج من حرج المواقف التي كانت قد أطلقت , والتي لم تكتف حينها باستباق النتائج, بل أطلقت الأحكام , وحددت الجاني, وفي أحيان كثيرة نفذت العقوبة .
وحين تدعو رايس إلى عدم استباق النتائج بعد أن كانت قد حددتها في مرات سابقة, لا بد أن تحمل هذه الدعوة الكثير من الدلالات والاحتمالات في وقت برزت الكثير من المعطيات التي تؤشر بشكل مباشر إلى أن التسرع الذي حكم مواقف الكثيرين كان خاطئا في اتجاهاته, وفي بنائه .
والسؤال المطروح لماذا هذا التبدل الذي لم يقتصر على رايس وحدها , ولا على الفرنسيين فقط, ولماذا لم يكن الأمر كذلك منذ البداية ?! وما المعطيات التي استجدت حتى بتنا نسمع المطالبة بالتروي في الأحكام بعد كل ذلك الصخب ?!
المعلومات المتداولة تقول إن ثمة شقين اثنين يحكمان ذلك التحول ..الأول ناتج عن سقوط رواية الصديق أو )الشاهد الملك), والآخر يتعلق بجملة المواقف الواضحة التي أعلنتها سورية, وكانت لها مصداقيتها المطلقة على أرض الواقع, بحكم المطابقة الفعلية لها مع المنطق والأحداث, والبعض يضيف إليه شقا آخر يتصل به, ويتعلق بالصوت السوري الذي بدا الأكثر وضوحا, في العناوين كما في التفاصيل .
ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك , بل هو يتعلق في جانب مهم منه بأن الأغراض التي استخدمها البعض في صراخه الاتهامي ضد سورية قد فقدت محتواها, وأن صيغة الاستهداف التي صبغت المرحلة الماضية قد أفلست سياسيا وإعلاميا, وأخذت مراجعة المواقف تأخذ طابع الانهزام المسبق, ولا سيما بعد سقوط الكثير من التلفيقات والأكاذيب والافتراءات .
وهناك من يصر على أن المسألة أبعد من ذلك, وتتعلق بأن التوظيف السياسي الذي كانت تتم عليه المراهنة فقد الكثير من أدواته بعد أن استشف الرأي العام العالمي الاحتمالات الكامنة وراء ذلك التوظيف ,ما أضعف مساحة فاعليته المستقبلية, حتى أن الأدوات التي كانت معدة للاستخدام في حال اللجوء إليه .
وحتى موعد صدور التقرير النهائي سنسمع الكثير من الأصوات المغايرة لتلك المبحوحة, والتي غالت كثيرا في اتهامها, وفي تجنيها, وفي افترائها, والغريب أن ترتفع تلك الأصوات ذاتها مستغربة أن تدافع سورية عن ذاتها وعن حقوقها, وعن براءتها التي طالما كانت موضع تناول البعض بغير حق, وموضع افتراء من البعض الآخر, ولا سيما حين يكون ذلك الدفاع مقترنا بالأدلة الدامغة, وبالحجة المقنعة التي طالما امتلكتها سورية بوضوح .
ربما تساءل البعض عن تأخر الرد أو عن الصمت في بعض الأحيان , ولكنه تأخر, إن كان كذلك, محسوب في زمانه, وصمت معروف في حيثياته, والأهم موقت في وظائفه, وتلك التي غابت عن ذهن الكثيرين, ولم يسعفهم ذكاؤهم في قراءته, ولا ادعاءاتهم في اكتشافه .
وفق هذا المعطى وخلال الأيام الفاصلة ثمة الكثير من التفاصيل التي ستتكشف,وحينها ستكون هناك مقارنة لا بد منها قبل أولئك أم لم يقبلوا, وفي هذه المقارنة لا بد للأوراق أن تتقابل,والمواقف أن تتوازى أو تتقاطع وعليها ستتوقف الكثير من المعطيات القادمة.