فمنعت استيراد الكثير الكثير من السلع وشجعت على صناعتها محليا وبرساميل وطنية, وسمحت لهذه الرساميل بالحصول على امتيازات التصنيع, واستيراد الكثير من المواد ذات المواصفات الخاصة بصيغة حصرية, وبجلب خطوط الإنتاج تجميعا وتصنيعا, على أمل التأسيس لصناعة وطنية منافسة, تغطي السوق المحلية من جهة, و تستعد للمنافسة في الأسواق الخارجية بعد أن تستكمل عدتها اللازمة لذلك من جهة ثانية.
وبطبيعة الحال, فقد اسهم المواطن المستهلك في محاولة تكريس هذه الغايات, القريبة منها والبعيدة, وشجع على حماية القطاع الصناعي الخاص ودعمه, والى التعامل معه وفق أكثر من منطق صحيح, أبسطها شعوره بالانتماء لكل ما هو وطني ونتاج بيئته, واكثرها بساطة رغبته في الحصول على سلعة أقل كلفة وأرخص سعرا وأكثر جودة.
ورغم أن اكثر الصناعات الوطنية التي نهضت في هذه الفترة التي يفترض انها ذهبية بالنسبة إلى القطاع الخاص, على الأقل في غياب أي منافسة خارجية, كانت صناعات تجميعية وبخطوط إنتاج مستوردة بالكامل مع موادها, وبيد عاملة رخيصة, إلا أن النتائج التي عادت بها ولا سيما على صعيد المستهلك المباشر, كانت في معظمها تعبير عن الإحباط والخيبة.
أهم النتائج وأكبرها أثراً كانت توظيف القطاع الصناعي للحماية الممنوحة له كي يتحول بها إلى الاحتكار والاستغلال, وذلك من خلال سلعة أقل جودة وأعلى سعرا, وبالتالي أثقل وطأة على كاهل المستهلك.
ولا يعود السبب في ذلك فحسب إلى الطبيعة الوحشية التي ترافق رأس المال, أي رأس مال, ولا إلى الحماية التي وفرتها الدولة للقطاع الخاص الصناعي, بل إلى شروط الحماية التي كان ينبغي توفيرها للمستهلك في المقابل, سواء في الجودة أم في السعر, أم حتى في عملية التأهيل المتدرج للقطاع الخاص الصناعي, ليكون قادرا على مواجهة الاستحقاقات المقبلة, والتي نحن اليوم وجها لوجه أمامها.
عشرات الإغلاقات التي تنفذها الجهات الرقابية يوميا وننشرها على صفحاتنا, تثبت أن مخالفات المواصفة أو السعر, على الأقل تشكل وباء في صناعتنا المحلية, خاصة وأن عشرات مثلها أو حتى مئات لا تزال غير مرصودة, ما يدلل على أن شروط حماية المستهلك باتت بحاجة إلى الكثير من التطوير والتشديد, لعل أقلها تفعيل دور ومهام جمعيات حماية المستهلك وتحويلها إلى جهات رقابية واسعة النطاق, حاضرة دوما وغير مكلفة أو مدفوعة الأجر.