وإذ يكون الثبات محموداً في المواقف الأخلاقية والوطنية والإنسانية , إلا أنه يؤثر سلباً على قضايا حياتية واجتماعية وتنموية كثيرة.. لذلك من المفيد جداً تغيير زاوية النظر وتغيير الجهة التي نرى منها العالم المحيط بنا سواء العالم الداخلي للمرء أم الخارجي الذي تظهر عليه منعكسات الرؤية.
من هنا لا بد من إعادة النظر باستمرار في مواقف وقضايا قد تكون مصيرية، وبما أننا في سورية الحبيبة نعاني من عدوان ترك آثاره وندوبه في أرواحنا وأفكارنا وترابنا المقدس الذي لوثه المرتزقة القتلة والعملاء المأجورون فكان الخراب كبيراً والألم شديداً لا تتحمله قارة بكاملها.. لكن صمود الشعب السوري كان معجزة فعلاً.. فصبر على القتل والدم والتهجير.. صبر على الجوع والفقر نتيجة الغلاء ونتيجة فساد التجار وظهور طبقة من سماسرة الحرب.
وسماسرة الحرب لا يقتصرون على المنافع المادية فقط.. بل طال كل مناحي حياة السوريين.. حتى وصل إلى التوظيف والتشغيل والإدارات والشهادات الجامعية التي تباع وتشترى كما يباع الكشك في الأسواق.. ادفع وتأخذ شهادة جامعية.. وإذا ما تابعت الدفع تأخذ شهادة دكتوراه, فتعرف نفسك بالدكتور وتقدم حرف الدال على كل توقيع.. وهكذا صرنا نرى الجهلة والأغبياء من الذين نعرف تماماً تاريخهم وتاريخ دراستهم يكتبون أسماءهم مسبوقة بحرف الدال الذي يسهل عليهم دخول الأبواب المغلقة واستلام الوظائف المربحة.. وفوق هذا وذاك الادعاء العلمي والمعرفي الكاذب.
لنعترف.. الحرب سهلت على الزائفين والمحتالين الطريق، وقصّرت عليهم المسافات لبلوغ مآربهم.. خاصة وأن معظم هؤلاء انخرطوا في المزايدات الوطنية وصاروا يعملون في جمعيات أهلية مالية تتم من خلالها سرقة المعونات الإنسانية وسرقة الأضواء من الشرفاء وبالتالي تضيع البوصلة ويصير المواطن (الضحية) ضحية الحرب وضحية النصابين والمدعين الذين يملؤون صفحات الفيس بوك بالشعارات والنظريات والكذب والنفاق، فصار لدينا أكثر من داعش وأكثر من جبهة حرب.. فعلى أي الجبهات يحارب المواطن ؟ لا يدري..
هل بات الأمر يحتاج إلى فتح جبهات ؟.. أم إعادة نظر بكل ما نراه أو نسمعه أو يقوم به الآخر؟.
هل علينا أن نعيد النظر بأنفسنا ونتساءل لماذا كل هذا الصمت ؟.. ولماذا نرى بأعيننا الخراب الذي يطول التعليم ولا نتكلم ؟.. ونرى المدارس التي لا تصلح إلا للدجاج ونسكت؟.. ولماذا نترك أولادنا للشارع ولتأثيراته السلبية ولا نعيد النظر في هذا الشارع أو في ما يحمله هذا الشارع؟..
لكن هل نجرؤ ونقول للمسؤولين : عليكم بإعادة النظر في سلوككم أولاً وفي قراراتكم.. وفي مظاهركم الفارهة أمام جريح فقد ساقيه وأمام أُمٍّ فقدت كبدها؟
هل نجرؤ ونقول : كفى متاجرة بالشهداء والجرحى والفقراء.. كفى بيعاً للنظريات في دكان (الغفلة).. أتظنون أن المواطن مغفّل إلى هذه الدرجة ؟ أم تتوقعون منه الصمت إلى الأبد؟
كأنهم لم يسمعوا بقول الإمام علي (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)..
هي الحرب نعم.. وهي العدوان وتكالب الغرب.. وهي الأنظمة الرجعية التي تدمّر بلدنا.. ولكن طفح الكيل..أتعبتنا الرشوة والفساد والمديرون اللصوص وأثقلت علينا المدارس الخاصة التي صارت بديلاً لمدارس الدولة التي تثبت كل يوم فشلها في تأهيل طلاب دون مدارس خصوصية وأساتذة صاروا تجاراً ومقاولين؟ ألا يمكن إعادة النظر بقوانين التعليم والمناهج؟.. هل هي أكبر من مستوى الطالب حتى يضطر لأخذ الدروس الخصوصية ؟.. وهل.. و..؟
لن أزيد من الأسئلة والتأويل.. المشهد أمامنا ولكننا عاجزون عن تغيير المشهد؟ فهل يحق لنا أن نطالب بإعادة النظر في كل ما يجري حولنا, وفي كل ما نراه أمامنا أم نكتفي بالتأفّف والسلام ؟