الكيان الإسرائيلي الغاصب في التقرير السنوي الذي يصدره تباعاً، لا يدع شاردة ولا واردة مهما صغرت إلا ويأتي على ذكرها وتحليلها للاستفادة منها، وتكاد الجهة التي تُعدّ التقرير أن تكشف الخطوط العامة لسياسة الحكومة الإسرائيلية - بصرف النظر عن كونها يمينية أم يسارية أم ائتلافاً بينهما - من دون أن تكشف أسراراً سياسية أو عسكرية. وفي خلاصة القول: يمكن لأي متتبع لمثل التقارير الإسرائيلية هذه أن ينتهي لاستنتاجات مهمة تتصل بموضوعاتها ومحاورها.
وإذا كان كل ما جاء في التقرير جديراً بالدراسة والبحث كخطوة للتّعرف على أنماط تفكير عدوّنا الأول، فإن الجزء المتعلق منه بسورية جدير بالتوقف عنده مطولاً، ذلك أنه يتحدث بوضوح عن تورط دول بعينها بدعم الإرهاب ومجموعاته، فضلاً عن أنه يحدد المصادر والجهات التي تحتضن الإرهابيين وتدعمهم وتموِّلهم وتسلحهم وتدرِّبهم.
طبعاً، لا نحتاج في سورية لمثل هذه التقارير الإسرائيلية لنتعرف على هذه الجهات، لأننا نعرفها جيداً، ولأننا نمتلك الأدلة القاطعة ضدها، غير أن كشف إسرائيل عن بعض معلوماتها بهذا الصدد يكون من الأهمية بمكان، وتتضاعف أهميته عندما لا تنفيه الجهات التي أشارت السلطات الإسرائيلية إليها، وتلك التي ذكرتها بالاسم: (السعودية، قطر، وتركيا) !!.
بانتقاد واضح لا يخلو من الخيبة تقول إسرائيل: إن كل التقييمات الغربية بخصوص ما يحدث في سورية كانت خاطئة لأنها اعتقدت أن النتيجة ستماثل النتيجة الحاصلة في مصر وتونس، وتشير بانتقاد أيضاً إلى أن الوزير ايهود باراك أخطأ - كما أخطأ الغرب - عندما اعتقد أن سقوط سورية سيكون قريباً.
وبمرارة جليّة لا تخفى، تُقرّ إسرائيل في مكان آخر من التقرير بأن كل محاولات توحيد الجهات التي تحارب ضد الدولة السورية قد فشلت، في إشارة واضحة لمحاولات التدخل الأميركية - الغربية إلى جانب المجموعات الإرهابية، وتضيف: إن الدعم السياسي والمالي واللوجيستي الذي قدمته الأطراف الإقليمية والعالمية أوجد حالة تعادل في الصراع الدائر، لكنه لم يحسمه بسبب ما أسمته تردد الولايات المتحدة.
لا أحد في دويلات الخليج قادر على نفي المعلومات الإسرائيلية، ولا أحد في تركيا يتجرأ على مجرد التفكير بالنفي أو التعليق، فكيف سيكون حال الأردن الذي تعده إسرائيل بالمساعدة في الرد على أي تحركات قد تأتي ضده بسبب سماحه بدخول وخروج (المقاتلين) من وإلى سورية؟ وهل للبلاط في عمّان أن يتنكر لما قاله كيان الاحتلال من أنه يتشارك معه استغلال ما يجري في سورية لإضافة لبنة أخرى في شبكة علاقاتهما الاستراتيجية؟.