وليس غريباً أن تتابع الشريط ولا يرفّ لك جفن..كأنك ترى فيلما» هوليودياً..خيام، وذقون طويلة..وعباءات عربية وسيوف تلمع ببريق القتل..
يعني المشهد كله رأيته في فيلم أميركي يصور التخلف العربي والتحضر الغربي. ما تراه الآن أيها العربي انتقل من الشاشة الهوليودية إلى شاشة نفسك وروحك وأسرتك.. الآن لن تندهش.. ولا بعد الآن.. لقد أدمنت القتل والدم..لدرجة أن ما يجري لا يعنيك.انت خارج اللعبة الآن..القتل في العراق لا يخصك..والذبح في ليبيا لا يؤلمك..ونحر النساء وسبيهن لا يهزّ ضميرك.. أما نهر الدم في سوريا فهذا صار من ضروريات الأخبار اليومية..وما يجري في الأقصى أيضاً تعودت عليه..إذن ما الذي يهزك؟ وما الذي سيحرك مشاعرك وكرامتك ووطنيتك وإنسانيتك؟
ما الذي سيجعلك تنتفض وتقول: اليوم خمر وغدا أمر؟
بصراحة.. نحن العربان أدمنا حالة الفرجة على الفيلم الوثائقي الذي نراه..بل مللنا من بعض فصوله..امرأة تذبح..شاب يؤكل قلبه..شباب يقفون صفا» واحدا» ينتظرون الرصاص القاتل بالدور..بالدور يا شباب..الموت بالدور..هذه هي العدالة والانضباط والحرية.
ولكن..سيمر الشريط النازف بالدور على الجميع..والجميع يقول لن يأتيهم الدور..مع أنهم يعرفون أنهم دمى تحركهم خيوط سيد القصر..وسيد القصر دمية في يد الغرب المتوحش. نعم الغرب متوحش..كفانا نفاقا» وكذبا» على أنفسنا وعلى أبنائنا..الغرب قاتل، وسارق، وليس لديه أخلاق..وهذا يتنافى مع الحضارة ومع الإنسانية والحرية التي يدعيها الغرب. لكن هذا لا يعني أننا نحن العربان متحضرون.. أيضاً نحن متوحشون.. نقتل ونسرق ونسبي، ونبيع بلادنا ونطلب العون من قاتلنا.. أليست هي الحقيقة؟
ألم يحولنا الغرب إلى مختبر ليجرب أسلحته الفتاكة ومخططاته القاتلة؟
نحن الشغل الشاغل للغرب.. والغرب يهابنا ولذلك هو يصرف السنوات في التخطيط لتدميرنا..وتدميرنا ليس فقط من أجل إسرائيل كما تدعي كل النظريات..لا..الغرب فعلا» يهابنا ويهاب حضارتنا وعقولنا النيرة ولكن للأسف الشديد..كل هذه الميزات نضعها في أدراج مصمتة ونقفل عليها ونسلم المفتاح للغرب..الغرب يفتح متى يشاء..والغرب يحرق الأدراج متى يشاء..ثم يحرك كيدنا بنحورنا ويقف على أبوبنا المحروقة متباهيا» يراقب أشلاءنا.
ويحنا..كيف دمرنا أوطاننا وعروبتنا..وأواصر القربى وتاريخ أسلافنا.
ويحنا..كم سقينا تراب البلاد من دماء شبابنا الذين جاؤوا إلى الحياة ليعمروا الأرض وليكونوا سؤدد البلاد؟
للأسف. ما يجري الآن يجعلنا ننسى الماضي ويقتل اندهاشنا بهذا الماضي الذي كنا نفاخر به..كل الأشياء نتقبلها..وكلها نجد لها الأسماء والتوصيفات ولا نتحرك من أمام التلفاز..بل نستمر في شرب الشاي الساخن، الثقيل، الحلو جدا» على طريقة أبناء الصحراء..وكأننا نثبت من جديد أننا ما زلنا أبناء الصحراء القساة، البداوة، الذين يصفهم كافكا بأوصاف تحمل دلالات غير مريحة ويصف حتى قذارة ثيابهم..والغرب اللعين الذي نقلده، ونتمثل كل نظرياته لأنه الأقوى ونحن الأضعف، مازال هذا الغرب يصورنا في أفلامه القديمة والحديثة بأننا رعاة إبل.. ورعاة أغنام هائمين في الصحراء أغبياء، متوحشين، نجري وراء غرائزنا كما يجري الوحش على فريسته.
فهل نحن هكذا؟ إذاً لماذا لا نصحح الصورة على الرغم مما نملكه من أبراج وقصور وجسور متحركة وفنادق عائمة على بحار من النفط؟ لماذا لا نعرف أن نصحح تاريخنا إلا بالدم؟
كان يمكن أن نكتب تاريخنا الحديث دون الحاجة إلى كل هذه الدماء..وكان بالإمكان أن نحتج دون أن نحرق المعامل والمصانع وندمر جسر دير الزور العزيز على قلوب السوريين جميعا» ودون الحاجة إلى كل هذا الظلام والغلاء والدمار..كان يمكن أن نحافظ على دهشتنا أمام الموت المؤلم.وعلى دموعنا أمام محطات الغياب..كان يمكن أن نكون حضاريين فعلا» ولا نجزئ أرواحنا وبلدنا ومستقبلنا. كان يمكن أن نبقي على بعض دهشتنا ونصرخ في وجه الخراب..لكن ها نحن نثبت للغرب بأننا متوحشين مثله.. وأننا لم نفهم الدرس القديم، بل نعود من جديد إلى الصف الخلفي نردد ما يلقوننا من نظرياتهم وما ينشدونه لنا من أكاذيب..لنستمر نحن التلاميذ المحترمين المنضبطين..لا نتكلم إلا برفع الأيدي ولا نتألم أو نندهش إلا بعد الاستئذان. فهل يأذن لكم سيدكم أن تبكوا على سورية التي دمرها بعضكم..وبعضكم ذبح أبناءها؟ ولكن ستخبركم الأيام ما كان خافياً.