تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فيها.. لا عليها!!

معاً على الطريق
الثلاثاء 30-12-2014
خالد الأشهب

لو أن أحداً قال: إن أكثر من تسعين في المئة من العرب لا يعرفون، ما تعنيه مفردات مثل الحرية والديمقراطية والمعارضة وحقوق الإنسان وغيرها،

مما طرأ علينا طارئة التسونامي المدمرة في السنوات القليلة الماضية، لوجد أن أكثر من تسعين في المئة أيضاً من هؤلاء العرب سوف يوبخونه في أقل تقدير.. إن لم يشتمونه ويسبونه ويتهمونه بالعجرفة والخواء والغباء.. وربما يهدر بعضهم دمه أو يفعل، ولوجد نسبة مماثلة أيضاً من المنافقين والمزايدين، الذين سيفتحون له منادل من الردح والقذف والتشهير.. ومنادل أخرى في مديح الثقافة العربية والتراث والهوية والانتماء والخصوصية وغيرها، وإن وافق بعضهم جزئياً على هذا القول أرفقه بألف سبب وسبب للتبرير والتسويغ والترقيع وإلقاء التهم على الآخر.. أي آخر في أربع اتجاهات الأرض، وقد حدث الكثير من هذه المناكفات طيلة عقود من السنين!‏

كان مثل هذا دائراً وبكثرة قبل تسونامي « الربيع « العربي، وما يزال دائراً خلاله وبعده وبطرائق أسوأ كثيراً مما قبله، أي بتطرف أكثر وعنف ودموية أكثر.. وربما بغباء أكبر أيضاً.. إن لم نجاهر القول أنه وبانحطاط أخلاقي أكبر.. أجل انحطاط أخلاقي، جعل من العداء الأعمى وعناد تحطيم الرؤوس قاسماً مشتركاً وجامعاً لا يجمعنا إلاه!‏

ومن يستعرض بهدوء محاور الصراع التي دارت في المنطقة العربية ودولها ومجتمعاتها في السنوات الأربع الماضية، سيكتشف بقليل من النباهة والتركيز أن كل هذه الصراعات دارت على الأشياء لا فيها، دارت على الحرية لا في الحرية وعلى الديمقراطية لا في الديمقراطية وعلى المعارضات لا في المعارضات.. وهكذا إلى آخر سلسلة الصراعات المختلفة والمتفاوتة والمجانية.‏

إذ لا تجد طرفين اختلفا في طرائق إرساء الحريات، بل إن كلاً منهما يكتفي باتهام الآخر بقمع هذه الحريات، ولا في دروب الوصول إلى الديمقراطية، بل إن كلاً منهما يتهم الآخر بالديكتاتورية والاستبداد بعد أن يطهر نفسه منهما، ولا في كيفية ممارسة المعارضة السياسية والوطنية الحريصة، بل إن كلاً منهما يتهم الآخر بالموالاة لجهة ما والعمالة لها.‏

لو كنا حقيقة نفهم ما تعنيه المفردات لما كنا اختلفنا عليها.. بل فيها، ولو كنا نعي تماماً معاني ومدلولات هذه المفردات ومصادر نحتها، ووصولها إلينا وتجارب الآخرين فيها والدروس المستفادة منها، لما كنا جعلنا منها مجرد عناوين تعلكها ألسنتنا ونرددها كالببغاوات دون وعي أو فهم أو فقه.‏

لكن، ولأننا لسنا كذلك، فإننا نتحايل على خوائنا الداخلي من معانيها ومدلولاتها برفعها شعارات أو مجرد كلمات، ونداري جهلنا بها وافتقادنا معرفتها بارتدائها كأثواب تستر جسوماً عفنة أو كعناوين تستر عقولاً صدئة، ولأننا لا نعرف مقاييس أو نماذج حية وحياتية وواقعية لمثل هذه المفردات نهتدي إليها ونحتكم لها.. فقد رسم كل منا أنموذجه الخاص منها.. لا كما هي حقيقة وكما تعني، بل كما يريد كل منا لهذه المفردات أن تكون عليه‏

انظروا حولكم، ستجدون تسعين في المئة منا على الأقل جسوماً عفنة وعقولاً صدئة حتى ولو لمعت بعض أسمالنا وأثوابنا.. وحتى لو رددنا بأناقة لغوية أقوالنا!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 خالد الأشهب
خالد الأشهب

القراءات: 2200
القراءات: 2101
القراءات: 2523
القراءات: 2479
القراءات: 2255
القراءات: 2622
القراءات: 2567
القراءات: 2504
القراءات: 2273
القراءات: 2596
القراءات: 2808
القراءات: 2700
القراءات: 2402
القراءات: 2861
القراءات: 2929
القراءات: 3011
القراءات: 2793
القراءات: 3170
القراءات: 3120
القراءات: 3226
القراءات: 2623
القراءات: 3093
القراءات: 3578
القراءات: 3341
القراءات: 3398

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية