تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ربطتان وعنق واحد ??

معاً على الطريق
الأثنين 25/8/2008
خالد الأشهب

بائع البسطة , ببدلة وحذاء لامع وربطة عنق , يجلس اليوم في مكتب للسمسرة والمقاولات عند ناصية الطريق , مجهز بالكثير من وسائل الراحة والرفاهية من تكييف وتدفئة وإنارة خافتة وطاولة مكتب شبيهة بطاولة بيل غيتس ,

يغرق في مقعد وثير , يضطجع حينا عليه وحينا يستوي , لم يتخرج من أي جامعة أو مدرسة , ولايحمل أي شهادة أو وثيقة مهارة سوى جهاز تحكم تلفزيون البلاسما المعلق على الجدار المواجه له , يتنقل بين فضائيات الرقص والتعري بكسل وقلة اهتمام , وبين الحين والآخر يتردد إليه الصبي الأجير حاملا الشاي والقهوة والمثلجات , وبين حين وآخر أيضا تلتئم في حضرته جوقة شطار النصب والاحتيال , يتبادلون أخبار البيع والشراء .. والصيد والقنص !!‏

على الناصية الأخرى من الشارع نفسه , ثمة لافتة تشير الى مؤسسة تعليمية كبرى, معهد أو جامعة أو مدرسة عليا , يتردد إليها الكثير من الطلبة الحالمين أو الواهمين, يدفعون أموالا مستدانة أو مقتطعة من الحصة الغذائية اليومية لعائلاتهم وأسرهم , وبمجرد أن يسددوا حساباتهم ودون أي جهد أو تعب , ودون أي دروس أو امتحانات أو مكتبات أو مخابر من لزوم هكذا مؤسسات , يحصلون على شهادات مسطرة بأكثر من لغة , وموقعة بأحبار ملونة ومختومة بأختام عربية ولاتينية وشعارات علمية ومعرفية , حتى ليظن المرء أن كارل ماركس أو فريدريك هيغل تخرج من تحت هذه اللافتة يوما , لكنهم لايفقهون من اختصاصاتهم سوى العنوان دون شرح أو توصيف !‏

نموذجان نصادفهما كثيراً هذه الايام وبصور شتى , نتعثر بالأول عند كل منعطف وزاوية , نصافحه ونعد أصابع أيدينا بعد المصافحة أو نتحسس جيوبنا وأوراقنا الرسمية بعد كل معاملة معه . أو يواجهنا الثاني في العمل والدوائر الرسمية كطود من طين جاف يحتاج بحرا من الماء لتليينه وإذابته أملا في تجاوزه , فإذ به يتحول الى وحل يشد اقدامنا ويمنع حركتها .. تعجز عن إيجاد لغة للتفاهم مع النموذج الاول باعتباره تحت الشبهة وفي دائرة احتمالات النصب والاحتيال , ويعجزك النموذج الثاني عن إيجاد تلك اللغة معه , باعتباره فوق اللغات والشبهات , وعصي على الشك والتشكيك بحكم الشهادة التي يحملها !‏

كلاهما يسرقك وكل بطريقته , وسواء كان المسروق مالا أو وقتا أو طموحا , وسواء كانت أداة السرقة نصبا ومداورة على القانون , أو وضوحا وقحا وتحنيطا للقانون ذاته , لافرق بين لاعب الكشتبان والنموذج الاول سوى الطريقة والادوات , ولافرق بين اللاعب نفسه والنموذج الثاني سوى الهيبة وربطة العنق والشهادة الورقية المزيفة . كلاهما يمنعك من اتهامه أو التشكيك فيه فيبطل حججك ويشطب اعتباراتك , الاول بشطارة النصاب واستغلال الثغرات في القانون , والثاني بهيبة العالم ووقار الحصيف المزيف وسيف حرفية النص والتشريع . كلاهما يصادر فرصتك ويسلبك طموحك , ويضع العصي في عجلاتك أنا اتجهت وأنا راوحت , فلا تعرف لنفسك مخرجا ولا عودة الى مدخل !‏

والمشكلة ليست في وجود هذه النماذج , فربما توفرت على مثلها معظم مجتمعات الارض وشعوبها , بل المشكلة في طغيان هذه النماذج عندنا , لتشكل القاعدة وليس الاستثناء بسبب تعطل أو افتقاد آليات الفرز والتصنيف أولا وفق الحاجات الحقيقية وضرورات العمل , ثم بسبب التداخل الملتبس بين ربطة العنق وربطة الحذاء ??‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 25/08/2008 09:50

مقالة تمكن فيها الكاتب من إيصال المعنى بدقة , وأجاد في الوصف المعبر, وللأسف هذا هو واقع الحال في اقتصاد ريعي يقوم أصلا على المحسوبية: مبروك أنت من جوقة المنتفعين, ليس مطلوب منك إلا الشطارة بكل حقارة أو ورق رسمي كشكليات, وبعدها أمامك الوطن أحلبه كما تشتهي , شرط ألا يغضب منك من هو فوقك وأنت محسوب عليه.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 خالد الأشهب
خالد الأشهب

القراءات: 2178
القراءات: 2084
القراءات: 2505
القراءات: 2455
القراءات: 2236
القراءات: 2602
القراءات: 2551
القراءات: 2484
القراءات: 2254
القراءات: 2574
القراءات: 2788
القراءات: 2685
القراءات: 2379
القراءات: 2838
القراءات: 2901
القراءات: 2991
القراءات: 2774
القراءات: 3149
القراءات: 3101
القراءات: 3204
القراءات: 2606
القراءات: 3074
القراءات: 3561
القراءات: 3318
القراءات: 3380

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية