ولا يزال هذا الشعار شاحباً وشاهداً حتى الآن.. فهل ستطلق الشبكة العنكبوتية في هذا القرن شعار (يا أطفال العالم اتحدوا)؟
ذلك أن الأطفال.. كل الأطفال في أنحاء المعمورة أصبحوا شركاء في تقرير مصير الأمم والشعوب.. ولو كان بإمكان هؤلاء الصغار من فتية وأطفال وبراعم أن يفعلوا ما يتضمنه هذا الشعار لما قصروا.. لأنهم في واقع الأمر منقسمون الى قسمين متمايزين مختلفين لا تخطئهم العين: أطفال العالم المتحضر والمتمدن الذي لا يكتفي بثرواته بل يسرق ثروات غيره.. وأطفال عالم متخلف غارق في الفقر والجوع والقتل والتدمير، وحتى مص الدماء.
أطفال القسم الأول لا يتركون من أجلهم وسيلة أو مناسبة إلا ويغمرونهم بالبهجة والفرح والسرور من مدن كاملة للملاهي الى كتب ومطبوعات، والى سيدة العصر الأفلام والرسوم المتحركة على الشاشات. ومضامين كل هذا بالهزء والسخرية واصطياد الوقت للهو، يدور كله أو أكثره حول العنف والقتل، والتلذذ بالجرائم الوهمية الافتراضية بل رمي هذه الأفكار في الألعاب الالكترونية حتى أصبح أطفالهم لا يعرفون كيف يتسلون.
أما الآخرون من أطفال القسم الثاني فهم يعيشون حتى آخر أنفاسهم مع التشرد، والقتل، والدم، والدمار، وربما رفعوا رؤوسهم فوجدوا أنفسهم لا في الخرائب فقط بل في خيام النازحين والمطرودين من أوطانهم.. هؤلاء الذين تزداد أعدادهم ليس عاماً بعد عام بل يوماً بعد يوم.. وتكتسح مآسيهم بلداناً وقارات.. وما إفريقيا عنا بغائبة.. وما عمق آسيا عن معلوماتنا غائب أيضاً.
وها هم هؤلاء الأطفال يزجون بأنفسهم في الثورات والاحتجاجات، وحتى التظاهرات وكأنهم نضجوا قبل الأوان لأن مستقبلهم مرسوم أمامهم ما دامت أوطانهم معرضة للغزو والاستلاب بأسباب، ومن دون أسباب.
ولعل ما يلفت أنظارنا، ويخطف قلوبنا تلك النخبة من هؤلاء الفتيان والصغار الذين يعرضون أنفسهم لا للموت فقط بل للأخطار.. ويقلدون الكبار بتناولهم الميكروفونات، وتسللهم الى الشاشات ليعبّروا بأصواتهم المجروحة، وحناجرهم المبحوحة بل بأجسادهم الجائعة والمحرومة عن أحوالهم وما ينتظرهم من أيام سوداء كأنما هي قدر من السماء.
وتصدر أصوات مستنكرة ومستهجنة بنوع من الزيف الثقافي لتقول لنا: امنعوا أولادكم عن هذه البؤر المشتعلة التي ربما تقضي عليهم. فماذا بإمكاننا أن نفعل والواقع الفاجع يسوق الناس كباراً وصغاراً، وشيوخاً وشيباً قبل الشبان الى مواقع الإرهاق والحرمان؟
وها هي بعض المؤسسات في الرعاية الاجتماعية أو الطفولية تكرس تظاهرات لهؤلاء الأطفال دون أن تحسب حساباً أن عاصفة من اللهب واحدة قد تودي بمستقبل المئات بل الآلاف من الذين يفترض أن يبنوا مستقبل البلاد والعباد.
أنا لا أقول أن نضع أولادنا في صناديق مغلقة لا لأننا غير قادرين على ذلك بل أن نجنبهم ما استطعنا ويلات الأحداث المريعة والفظيعة التي تمتد اليهم ألسنة من اللهب إن لم تقض عليهم بالموت تصيبهم بالعطب. وها هي أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة تزداد بالإحصاءات والأرقام يوماً بعد يوم خلال نصف قرن حتى باتت دول بأسرها، وجمعيات الأمم المتحدة ذاتها تضعها في أولويات اهتماماتها.
ليت أن هذه الصرخة: (يا أطفال العالم اتحدوا) تدوي وتملأ الآفاق.. أو على الأقل تلقى صداها.. وتنتقل من دنيا السطور والحروف الى عالم الواقع الذي يعج بالمئات والآلاف من المحتاجين والمعوقين.. والمظلومين في أتون القرن الحادي والعشرين.