وكثيرون تصيبهم الدهشة وهم يكتشفون وجهاً غريباً لم نعتد عليه في سورية، وبعضهم على الأقل لايجد مايفسر به تصرفات أولئك..
بين هؤلاء جميعاً من يقف صامتاً.. تكاد هذه المشاهد لاتمر أمام ناظريه.. ولاتعنيه حتى.. لا في الدرك الذي وصلت إليه، ولا في المستوى الذي عبّرت عنه.. وقلة بينهم لايشعرون بالدهشة ولايستغربون، وإن لم يظهروه إلى العلن صريحاً واضحاً.
في جميع التفسيرات والتبريرات وحتى الذرائع ثمة ارتباك في الإجابة على الأسئلة التي تطرحها تلك التصرفات، وليس هناك من لديه الإحاطة الكاملة بالدوافع والأسباب والأهداف.
ثمة من يتحدث عن ثقافة تتنامى في ذلك الوسط، وتعبّر في بعض مظاهرها عن رغبة في نشر الفوضى والترويع، باعتباره المناخ الوحيد الملائم لكي تنمو بعيداً عن الأعين، وخارج الرقابة وهي التي اعتادت على العيش في الظلام.
فيما المصطلحات الخارجة عن أي منطق.. وعن أي تصور تحولت إلى مهارات في الانحدار نحو الهاوية.
لكن الأمر ليس بهذا التوصيف البسيط، ولا هو فقط تلك المشاهد التي تنشر الخراب أينما حلت، إنما في تعزيز صورة الإكراه والإجبار على كل من يعترض ترهيباً وترويعاً وصولاً إلى الأذية المباشرة.
المسألة بخطورتها ليست في النتائج الأولية والمباشرة لعمليات التخريب والترويع، إنما فيما تراكمه من تداعيات لها نتائجها البعيدة، حين يتحول التخريب إلى مشهد تعتاد عليه العين، ويصبح السكوت عليه أمراً مفهوماً.. أو التواطؤ في التستر عليه عملاً قابلاً للنقاش، وحتى تقديم الأعذار لأصحابه، فيضمن الجاني مناخاً من الصمت المريب.
والأخطر أن يتحول السلوك إلى ثقافة تعوض الفشل المتلاحق في أدوات تم استخدامها وتوظيفها لتحقيق ماعجزت عنه بوسائل أخرى.. لتقدم رسائل متخمة في فجائعيتها تجاه مايحدث ومن يقوده.. ومن المسؤول عنه، وإلى أين يريده أن يصل، ومن يمثل ؟!.
لم يعد الأمر مجرد شواهد آنية على حوادث عابرة استخدمت في كثير من الأحيان للتغطية على عجز هنا وإفلاس هناك.. إنها أبعد من ذلك.. وأكثر خطورة مما تظهره، حين تعتاد العين عليه وتتعايش معه.
في الكثير من المشاهد التي ترقب خلالها بعض التفاصيل وبعض ملامح أولئك تجد نفسك عاجزاً عن فهم أسبابه وغاياته، وخصوصاً أولئك الذين يشاركون فيه بعبثية لا طائل منها إلا نشر الفوضى والترويع.
فهل باتت الفوضى هدفاً بعد أن كانت أداة، والترويع غاية بعد أن قدمت نفسها كوسيلة.. وهل الصمت هنا مواربة أخرى في الموقف مما يجري.. لنصل إلى الحد الذي بتنا مضطرين أن نتهم الصمت بالتواطؤ!!.
لا نعتقد أن هناك من يمتلك الجرأة على التبرير.. ولا أن يقدم تفسيراً منطقياً.. لذلك نجزم أنه ليس هناك من له مصلحة حتى لو ارتبط بأجندات أو كان جزءاً من أدوات، ولنحذر.. فالفوضى حين تعمّ لا تفرق.. والترويع حين يشيع لا يستطيع أن يتبين الصحيح من الخطأ.. حذار من ثقافة تتفشى، ويظل البعض صامتاً أو مكتفياً بإشارات لا تنمّ عن موقف أو تصلح للوجهين..
لم نعرفها في سورية من قبل.. لم نكن نعتقد بوجود من يحملها أو يتبناها.. لا نستطيع أن نقول إنها قابلة للحياة أو للاستمرار ولا حتى للانتشار.. لكن حذار أن نصمت عليها أو نستسهل أكثر في التصدي لها.. إنها لوثة مفخخة قابلة للانفجار، ووباء يتفشى، وحصاد نتائجه الوخيمة قاسية على الوطن والمواطن.
a-k-67@maktoob.com