| سورية الجميلة.. رسائل الحب الستيني (97) ثقافة لم يستطع العشرون أن يعيد الرابع أبداً.. بدا كل شيء مصطنعاً وباهتاً.. وكل حلّل على كيفه.. لكن علاء أكد أن غياب عُلا كان السبب.. وتفاجأ حين عرف أن كثيرين شرحوا الأمر على أساس أنه غياب صبية.. عدا محسن فقد شرح طويلاً وقدم قليلاً على شكل سؤال: -ما دخل الرابع بالمحيط الهادر والخليج الثائر والاستعمار والرجعية..الخ. كل شيء له وقته، والحياة نتذكرها ولانعيشها مرة ثانية. أحب أن ينقي حكاياته ويرويها مجدداً.. صدمه موقف زهرة: < لا تكرر الحكاية يا عسلي.. كم مرة قلت لك؟! - أنا أجدد فيها.. أخلصها من الشوائب.. < حلاوتها أنها جاءت كما هي.. تخليصها مما تسميه الشوائب سيجعلك تبدو كأنك تروي ما لم تره. - لم أر كل ما رويته بعيني.. بعضه رأيته بعقلي.. واجتهدت كي يبدو طبيعياً.. مما اضطرني لتزيين الحديث.. < المشكلة ليست عندي... أنا أسمعك وأحب روايتك.. - أعلم أنها ليست عندك.. فكلما رويت حكاية وأنت موجودة أشعر كأنني أرويها للمرة الأولى. بل أحياناً يبدو لي كأنني أسمعها للمرة الأولى.. معك يتجدد كل شيء كل لحظة. يتذكر علاء أنه لم يشعر بمتعة التهام لب البذور التي قدمها له اسكندر كي يوفر عليه عبء «فصفصتها».. وعندما حاول أن يقدم لعُلا حبة الصبار دون بذرها، لم تكتف بالرفض.. بل استهجنت وربما أدركها القرف.. < هذه تؤكل مع بذورها. - لك وحدك أنقيها. < تصبح بطيخاً.. أو تيناً.. أو أي شيء وليست صباراً. - الطعم نفسه. < أبداً.. - البذرة لا علاقة لها بالطعم. < كل شيء له علاقة.. حتى إن للصبار في المساء طعماً يختلف عنه في الصباح. يكتب فيما بعد: «عُلا وحدها التي تعيد خلقي.. يختلف كل ما أراه أو أعيشه بسحرها، إن وجدت كانت حالة الدهشة واللهفة التي لا تنتهي.. وإن غابت أحسست بالتكرار». أنا اطلعت على أوراق له.. يروي كثيراً عن ازدواج الرؤية والمشاعر.. يقول: إنه حتى الألوان كانت تختلف حسب موقف عُلا بين الحضور والغياب. عندما انطلق بنا القطار من اللاذقية إلى حلب، شعرت أنني اكتشف الطريق بمناظره الخلابة لأول مرة.. تجلس جانبي مبتسمة مفعمة بسعادة غير معلنة، وقد أقامت بيارات البرتقال وغابات الصنوبر وسهول الخضراوات، مهرجان استقبال لها، لم تقرأ خصوصيتها فيه لأنها كانت المرة الأولى التي تعبر فيها تلك العوالم.. أما أنا فمعها وبها اكتشف كل يوم جديداً.. حتى القمر.. ما زلت معها أبحث عنه للتعارف.. اتفقنا أن نجول على عوالمنا.. ولن نخاف الضجر.. نستطيع أن نتجاوز ما عانيناه في الماضي من مطبات الدهشة والبحث عن مأوى للحب.. وستكون الجولة أجمل بكثير.. جولة منقاة من مشكلاتها. أحياناً اكتشف أن جزءاً كبيراً من جمال ما عشناه استمددناه من المعاناة.. في صباح حب.. كان الندى يملأ الروح.. وهمسة منها تقول: < نحن على قارعة الطريق. هل في قصر أو فندق أو مخدع يمكن أن نجد حباً كهذا؟! يومها أخبرتكم أن الندى سال فيضاناً في البوادي والسواقي والجداول.. مازلنا نعوم على بحر السحر.. هل أروي الحكاية مرة أخرى لأخلصها من حالات الفشل والغضب والالتباس. هذه هي فليأخذها كل كما يريد. بل هذا أنا.. ولا تعديل لخلق الله؟! والأدق هذه هي.. القيثارة الوحيدة في هذه الحياة التي أعزف عليها.. اعذروا نشازي.. لكن.. اقرؤوني كنشاز... وإلا لا أكون أنا.. ولا تكون هي.. ولا يكون الحب. سألت صديقي «نصف شاعر.. نصف قاص.. مشاغب كامل» عن الزمن القادم قال: لا تخف.. سنمضي إليه بالحب والكتابة.. اكتب فأنت تسطر روحك وليس أرواح الآخرين. وقال: < لا تكتب لأحد.. بل لواحد.. - أو واحدة.. < أعني واحدة.. - والآخرون؟! < واحدة ستختصر لك العالم.. لم أفهم من كل ما قاله إلا شغفه في الكتابة.. لكن... لمن نكتب؟! ولماذا؟! قلت لها في إطار بازار أقامته للإعجاب: < الكتابة فعل جبان.. - إنها جرأة البشر.. أما الصخب فيلتقون به مع الكائنات الأخرى. < الصخب سرعة بديهة. - بل استجابة آلية.. والكتابة استجابة الوعي.. وأضافت: أحبك عندما تكتب؟! ذكر رجل يدعي الحكمة.. قال: إن لم تحب ابنك فلن يحبه الآخرون.. سألتهم شرحاً؟! < إن لم تحب ما تكتبه فلن يحبه الآخرون.. رددت: - بل هم الذين جعلوني أحب ما كتبت.. < لأنك تحبه.. وتحبهم.. الحب.. الحب.. الحب.. قبلكِ لم يكن.. بعدكِ لن يأتي.. لكِ أكتب.. ومن أجل عينيكِ أحببت الصبار مع بذوره. a-abboud@scs-net.org
|
|