لقد لعب الإعلام- ومازال- دوراً في صناعة الأحداث على الأرض، أحداث مغايرة ومعاكسة لكل مجريات الواقع الحقيقي.. أحداث يتم تصنيعها وفبركتها بحيث تعمل على زيادة النقمة في الداخل، وتضمن التأييد الخارجي على المستوى الشعبي، بمعنى أن الإعلام مارس لعبة مزدوجة في التضليل، واحدة في زرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، والثانية في تضليل الشعوب وخاصة في الدول الأوروبية، تلك الدول التي يحدد الإعلام اتجاهات الرأي العام فيها ويفرض المواقف السياسية لحكومات تلك البلدان وهو ما ظهر من خلال الاحتجاجات التي تصاعدت مع بدايات الأزمة، والتي بدأت تغيب عن عواصم تلك الدول في الوقت الحالي..
الأزمة في جانبها الإيجابي شكلت فرزاً واضحاً على المستوى الداخلي ما بين دعاة الإصلاح والعاملين على إنجاز مشروعه وبين المرتبطين بالمخطط الخارجي وهم الحريصون على استمرار القتل والتخريب وإشاعة الفوضى في جميع مرافق الدولة.
أما الآن فإن الأمور تبدو أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، الأمر الذي يجدر معرفته من قبل جميع الأطراف المصرة على الاستمرار في مسلسل القتل والتحريض والحض على الكراهية.
فهذه الولايات المتحدة تعترف أن أجهزتها الاستخباراتية عجزت عن هزيمة سورية وجهازها الأمني، وأن دمشق بعد كل هذه الفترة من الضغوط الخارجية والاحتجاجات الداخلية مازالت تتمتع ببنية حكومية عصية على الاختراق، فالدولة متماسكة وأجهزتها ومؤسساتها تعمل بشكل اعتيادي. وهو ما دفع واشنطن للاعتراف بنجاح المشروع الإصلاحي الداخلي والذي نفذ وفق برنامج زمني محدد دون الالتفات إلى الأزمة أو الضغوط الخارجية، وقد كان آخر حلقات مشروع الإصلاح تنفيذ انتخابات مجلس الشعب وانعقاد جلساته كخطوط واثقة من نجاح مشروع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وقد أبدى العالم اعترافاً مباشراً أو ضمنياً بمشروعية كل الخطوات المنفذة في مجال الإصلاح، وآخرها انتخابات مجلس الشعب التي جاءت مشابهة لمثيلاتها من الانتخابات في الدول التي لا تواجه أي مشكلات أمنية.
وفي جانب آخر يعلن العالم الغربي تراجعه عن موقفه المعادي لسورية عبر البيان الختامي لقمة الدول الصناعية الثماني والذي اختتم أعماله في منتجع كامب ديفيد الأميركي، وذلك عبر دعم خطة عنان، والاعتراف بوجود عصابات مسلحة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فهذا الإعلام الغربي يعترف بوجود أكثر من 400 مقاتل من القاعدة موجودين في سورية وفقاً لما ذكرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية الواسعة الانتشار والمقربة من مؤسسة الرئاسة.
في وقت تمت فيه إعادة خمسة فرنسيين من لبنان بعد أن كانوا يحاولون الدخول إلى سورية عبر محافظة الشمال والانضمام إلى التنظيمات الإرهابية.
الصورة الدولية تأخذ طريقها نحو رسم خريطة جديدة تستعيد فيها رحلة تعقب الإرهاب واجتثاث جذوره، وهو ما ينتظره العالم خلال فترة قريبة.