ماء شفة من إنتاج سعودي في بلودان السورية والمرتفعة 1800 متر فوق سطح البحر.. أمر غريب ومستهجن، ولكن لماذا؟ ومن أين للسعودية ماء ينابيع عذبة تعبئه وتغلفه وتصدره ؟ وإذا جاز ذلك لها.. فكيف جاز لتاجر سوري ولجهات رسمية سورية أن تتجرأ على استبدال ماء بقين والفيجة وبردى والدريكيش وغيرها الكثير الكثير من ينابيع بلادنا بماء البحر السعودي المحلى؟؟
ثمة من يتحدث اليوم عن سورية ما بعد الأزمة، بعض الحديث يأخذ شكل من صحا فجأة على زلزال داهمنا كالقدر المكتوب، الذي لا رادّ له ولا مذنب فيه، فأحال ما بنيناه ركاماً وعلينا أن نستأنف أنشطة البناء والتعمير.. وهذا مذهب قدري في التفكير، بسيط وعاطفي وساذج، مستعد لتقبل الكارثة دون السؤال عمن تسبب بها أو بجزء منها، ثم التضحية والبدء من جديد على طريقة «عفا الله عما مضى « وكما لو أن خطأ عفوياً غير مقصود أو رعونة طائشة كانت وراء ما جرى !
والبعض الثاني من الحديث يأخذ هيئة من وقع في الفخ، فأخذ ينادي ويستغيث العون بأي شكل وممن كان.. حتى ولو كان العون قروضاً دولية «سخية وميسرة « على غير العادة.. بدأت أخبار تسريباتها تتوارد هنا وهناك، فيما أشباحها وأخيلة سماسرتها تظهر بين الفينة والفينة كمتطوعين وخبراء أفذاذ لا يشق لهم غبار في علوم الاقتصاد وحل مشكلاته.. أنقياء الأكف والقلوب والسرائر أو كما لو أنهم كذلك.. وسوبر نيوليبراليون وبما يعجز أميركا عن استنساخهم أو إنتاج أمثالهم!
والبعض الثالث من الحديث يأخذ شكل امتحان لا بد منه للولوج إلى سورية ما بعد الأزمة، حيث لا إجابات دون أسئلة.. وحيث محاكمة النتائج تعني بالضرورة محاكمة المقدمات، وأجزم أن أطراف هذا الحديث ينبغي لها أن تتعالى وتصدح وتصم آذان كل أولئك الطرشان بإرادتهم، الذين كانوا.. ولازال بعضهم حتى اليوم يريدون منا مواصلة بناء انتمائنا الوطني على أكداس من قصائد المديح والهجاء.. وعبر إيقاعات « الدبكة والدبيكة «!
ليس شأناً عابراً أبداً أن يُقدَّم للسوري في سورية ماء بحريٌ سعوديٌ محلى ومستورد، وإذا كان ثمة خطأ جيولوجي تسبب في تموضع تجاويف النفط في الجزيرة العربية كما رأى هنري كيسنجر ساخراً منذ سنوات طويلة.. فأي سخرية من خطأ سياسي تسبب يوماً بتسويق الماء البحري السعودي المحلى في أسواق سورية؟؟