كثيراً ما عبر بعض الساسة السوريين، وربما معظمهم، أن مشكلة الإعلام السوري بلغته «الخشبية» مشكلة ذاتية تخصه، وما أن ينفضوا أيديهم من منحه النصائح والإرشادات التي تصل حدود الأوامر غير القابلة للرد أو الحوار، حتى ينهالوا عليه سخرية بل واتهاماً. أتراه كان ثمة من يريد أن يحمل هذا الإعلام مشاكل غيره؟ ألا يلفت النظر مثلاً أنه خلال مسيرة عقود متتالية لم يكن ثمة خطأ سياسي واحد يلقى النقد ولو بالحوار، في حين لم تعد أذرع الإعلام تقدر على تحمل محاولات اللي حتى الكسر؟! ألم يرتكب عبد الحليم خدام مثلاً خلال عشرات السنين في الخارجية والقصر الجمهوري وقبلها أي موقف، أو يتخذ إجراء،أو يؤدي مهمة، تحتاج الدراسة والتشريح كخطأ ربما يكون قاتلاً؟ هل سمعتم يوماً أحداً يخطئه؟
طبعاً ليس عبد الحليم خدام وحده الذي يمكن إثارة المسألة من حوله بل لأنه كان من أشدّ الساسة السوريين، سخطاً وكراهية للإعلام السوري تحديداً.و لأنه من أسوأ القادة أداءً، في حماة محافظاً، وفي دمشق أميناً للعاصمة، وفي وزارتي الاقتصاد والخارجية ومن ثم في القصر الجمهوري. وأيضاً،اتخذته مثالاً، لأنه لا يستطيع أن يخرسني اليوم.
قصة الإعلام السوري مع الساسة السوريين تشبه قصة «أجير بائع المازوت» بل لعلها أسوأ.
تأخر المجتمع السوري بسياسييه ومثقفيه وإعلامييه أيضاً عن فهم قضية الإعلام، وكلٌ نظر إليه كتابع أجير إن أحسن وإن أخطأ لاقى ما لاقاه أجير بائع المازوت.
لله والتاريخ، وقد أكون متعاطفاً مع القطاع الذي أمضيت فيه الشطر الأعظم من العمر وهذا من طبيعة الأمور لكنني أدعي الموضوعية فيما أقول: لله والتاريخ لقد عمل الإعلامي السوري في ظروف شبه مستحيلة من فقر المعلومات وقلة الأجور وأزمة الحريات، فكان مغواراً بحق! مثقفاً صبوراً متحدياً، وحقق نتائج كثيراً ما استثارت ناقديه وكارهيه والمشمئزين منه، فأوسعوه ضرباً ابتداء من يد «مثقفة» معارضة تقذف بميكرفون التلفزيون العربي السوري لمنعه من تسجيل الوقائع وصوت ينده به أن يغادر، مروراً بقرارات العقوبات من الغرب الاستعماري وجامعة الدول العربية، وليس انتهاء بالجريمة الإرهابية النكراء التي تعرضت لها القناة الإخبارية السورية.
يستطيع الإعلامي السوري اليوم أن يصرح بملء صوته: نحن قادمون...خط انطلاقنا، وخطوتنا الأولى، أننا غير راضين عن واقعنا وسنغيره، وأننا لم نعد نخشاكم أينما كنتم بحواجزكم و رهاناتكم المتعددة، ولا بأسلحتكم الفتاكة.
طبعاً لا وعد سيتحقق إلا بخروج سورية من أزمتها، وحتى يحصل ذلك لا بد من أداء المهمة بقدر ما للوصول إليها سبيلا.
as.abboud@gmail.com