لكن ذلك لا يمنع من التمعن في ذلك القاع الذي تستجرّ إليه العمل العربي، وهي تمارس عربدة سياسية مدفوعة بكثير من الاستطالات المرضية حين وضعت قرارها في أدراج مشيخات الخليج، ورهنت مصيرها بأجندات القوى التي استحدثت لها دوراً لم يكن وارداً ولا هو منصوصاً عليه حتى في الزواريب الهامشية.
فإذا كانت جهود الجامعة بما تجرّه من شبهات قد أثمرت في احتضان طيف متآكل من أدوات تعمل لحساب أجندات القوى والأطراف التي تحرّكها، فإنها في واقع الحال وعبر الأشهر الماضية لم تحصد سوى الخيبة, لأنها في الجوهر تصدّت لما هو خارج ميثاقها ودورها، وتفرّغت لإشعال المزيد من الحرائق بالتزامن مع تصعيد في افتعال المعارك التي تطول اليوم أصابعها المشبوهة لإغراق العمل العربي.
تحت هذه العناوين يندرج ذلك الجهد.. ووفق معطياتها سيكون التوجه، وخلف الأجندات التي رسمتها ستمضي إلى حيث تواجه اليوم مأزق الهوية التي تشكلها.. ومأزق الانتماء الذي تدّعيه.
فالهوية الفعلية للجامعة العربية تبدو اليوم ضبابية، بل تسوق انطباعات غامضة عن ماهيتها، وهي تمارس سلوكها في المشهد العربي، وكأنه الركن الجديد القادم في آليات عملها المستقبلي على قاعدة الدور الجديد المطلوب.
فيما الانتماء يواجه معضلة المفاهيم العائمة، والرائجة كانعكاس لملامح الفشل، بما انطوت عليه من استسهال في المتاجرة الرخيصة بحياة الشعوب العربية تحت تلك العناوين التي استلت سهامها المسمومة لطعن الجسد العربي بكل تموضعاته، حتى الجديدة منها.
لكن ما عجزت عن استدراكه قبل جنيف سيكون صعباً عليها تعويضه فيما بعده.. حتى لو أعادت المقاربات في ظل أدلة دامغة على مساحات توغّل الأصابع الغربية في تفخيخ دور الجامعة، ومن ثمّ تحضير المسرح العربي للانفجارات الكبرى التي لم تبدأ بعد، وللحرائق التي تمهّد لها، ولم تشتعل بعد!!
فالسوابق الخطيرة التي أقدمت عليها الجامعة في الأزمات العربية تضع الكثير من علامات الاستفهام حول الأدوار الشخصية للأمين العام، وثمن الاتفاق المسبق الذي أوصله إلى سدّة الأمانة العامة، وهو يحمل في حقائب الجامعة خطوط التآمر، لتكون الممرات الآمنة للنفاذ إلى الجسد العربي، والذي توازيه بالقدر ذاته تعابير مشيخات الخليج التي قدّمت مقاربتها النهائية لدورها.. والرصيد المتراكم لسنوات التسمين الأميركي والغربي في أمرائها وملوكها حتى تكون التضحية على قدر الحدث وأهميته.
بين اشعال الحرائق وافتعال المعارك الوهمية تتضارب تفاصيل الهوية الحقيقية للجامعة العربية، وتتناقض مبررات الانتماء لهذا الجسد العربي، وهي تخوض تلك المعارك وتشعل حرائقها على النسق ذاته من الاستهداف لتكون الأرض العربية من محيطها إلى خليجها ساحة لعبور المتآمرين وبروز أدواتهم.
محكومون بانتماء محكوم عليه التناقض مع ما ذهبت إليه الجامعة وأمينها العام.. ومتمسّكون بهوية تبدو غريبة عن تلك التي نراها اليوم بعد أن صادرتها مشيخات الخليج وتزعمتها إمارات النفط.. وفيما هم مشغولون بافتعال المعارك وإشعال الحرائق، يغيب عن أذهانهم أن حرق الأصابع قد بدأ.. وأن المعارك الوهمية تؤذي أصحابها في نهاية المطاف!!
وحتى يأتي زمن آخر تعود فيه الجامعة إلى رشدها ويكون من يقودها له من اسمه نصيب، ثمة مساحات كبرى من المفارقات العجيبة التي تطفو على السطح.. لا يستطيع المرء إلا أن يتعقبها ويتابع فصولها ويتساءل: إلى أي درك هم ذاهبون؟! فكل قاع خلفه قاع.. وكل درك تحته درك.. وكل سابقة، ثمة أخرى تلغيها، أو تضيف عليها.
a.ka667@yahoo.com