أتسومني مرح الطليق وموطني بين السلاسل والقيود ذليل
بيتان من قصيدة شاعر عربي مهجري ,
لا أدري إن كان القائل جورج صيدح , أم زكي قنصل , لكن اظن أنهما لزكي قنصل, حين دوّنهما مدرس اللغة العربية على السبورة, وكنا في الثالث الثانوي الأدبي عام 1981م , لم يحتاجا وقتا أكثر من قراءة أولى ليستقرا في العقل والذاكرة دون نسيان, ربما لانهما يجدان المجرى العميق لهما عند كل صاحب ألم وشكوى, فكيف إذا كانت الشكوى عامة؟
اليوم قفزا إلى البال وأنا أستمع إلى برنامج إذاعي يعنى بشكوى المواطنين, تابعت ما استطعت منه, اعجبتني حكمة المقدم الذي يأخذ طرف المروض للاندفاع, وكما العادة حين يأتي رد المسؤول المعني, تتردد العبارة الشهيرة شفاهية وكتابة (لا صحة للشكوى) ويمضي المسؤول يسرد في تسويفات الزمن القادم, ما سيكون, ستظن نفسك تعيش الألف سنة الزاهية, ولكن لاشيء سوى الكلمات المعسولة, وكلام في الهواء بردّ لايحترم أدنى مشاعر الإنسان.
وربما عليّ أن آخذ دور المسؤول الذي يجب أن يرد على الكثير من الشكاوى, ودفعة واحدة لو كنت مكانه ضيفا على محطة تلفزيونية, أو إذاعية, أو في لقاء مع صحيفة, سأقول التالي:
لا صحة، لما يشاع عن عدم وجود ازدحام على مراكز تسليم جرار الغاز, ولا صحة للازدحام على مواقف الباصات أبدا, بل إنه من الظلم اتهام الإخوة (الحناين) التجار أنهم رفعوا الاسعار حين ارتفاع الدولار, بل الحقيقة إنهم يبيعون بخسارة كبيرة, وهذا من زمن طويل, أتذكرون أن رسول حمزاتوف الشاعر العالمي الكبير, حين زار دمشق وتجول في سوق الحميدية, وبعدها سئل عن رأيه بالشعب السوري, فقال والدمعة تملأ عينيه: تجارهم أتقياء يخسرون ليرضوا الزبائن, كنت سأشتري (جلابية) كان سعرها الف ليرة, حين مضيت دون أن أشتريها لارتفاع سعرها, ناداني وقال :هي لك بثلاث مئة ليرة, لقد خسر من جيبه سبعمئة ليرة ليرضيني..
لو كنت مسؤولا، لقلت لهم: ليس صحيحا أن الخمس والعشرين ليرة الباقية من أي خط سير تعاد خمسينا للراكب, وليس صحيحا أن المئة تستقر بجيب بعض السائقين, بحجة عدم وجود (فراطة).
ولو كنت مسؤولا لقلت لهم: ليس صحيحا أن أسعار إصلاح السيارات جنونية, ان قطع غيارها المقلدة تباع على أنها اصلية تماما, ولو كنت مسؤولا لقلت: لن تنتظروا كثيرا حتى يصل إليكم دور تعبئة المازوت, فقط أنتم حضروا نقودكم, وخزانتكم, ولن يغشكم أحد , ولستم مضطرين لدفع ألفي ليرة زيادة على ربح الباعة الذين يقدمون لكم المادة, ولو كنت مسؤولا لقلت لهم: لا صحة لارتفاع الأسعار في المطاعم الشعبية, وكل ما تسمعونه ليس إلا هراء, وكلاما وهميا, وتصريحات خلبية.
لو كنت مسؤولا: لقلت الحقيقة التي لا يريد الشعب الاعتراف بها, ألا وهي أنه وحده يدفع الضريبة من دماء أبنائه ورواتبه, ويعمل لإثراء التجار, وحده المواطن يشكو ويشكو, ولا صحة أبدا لشكواه, فهو ليس موضع اهتمام الكثيرين ممن يجب أن يكونوا بخدمته ليل نهار, وحده المواطن, شبع وعودا وهموما, ولا ينقصه إلا المزيد من التصريحات التي تشي بما في قلوب مطلقيها.. وعذرك بيّن وقع الأنين على السليم ثقيل ..
لا تصدقوا شيئا مما قرأتموه, فهو كلام بكلام, ولا صحة له البتة, هكذا سيكون الرد إن كان ثمة رد..