فقد اعتاد كي مون على ما يبدو السطوة الأميركية في المنظمة الدولية كما في غيرها من المنظمات والمؤسسات الدولية , وربما توهم أيضاً أنه سينال تقديراً أميركياً استثنائياً , حين استبق ما اعتقد أنه موقف أميركي بديهي من المشاركة الروسية , فأقدم متسرعاً على رفض ما قبلته أميركا متأخرة , وقد يلتمس المراقب لبان كي مون العذر في تكرار استباق ما اعتاده من المواقف الأميركية !
ومع أنني لم أعايش أو أقرأ في تاريخ من تسلموا منصب الأمين العام للمنظمة الدولية , ولا في سيرة كل منهم الشخصية والسياسية والأممية من هو أكثر تبعية من بان كي مون لأميركا وسطوتها وجبروتها , وليس بينهم من بلغ مبلغ كي مون في الانقياد السياسي الأعمى لأميركا والغرب , ولا حتى من هو أكثر منه تفاهة وهزالاً سياسياً في ممارسة وظيفة الأمانة العامة بما تفترضه من النزاهة والحياد .. مع ذلك كله , فإنني أعتقد أن كي مون , ورغم تسرعه في رفض الطلب الروسي بالمشاركة لم يدرك حقيقتين اثنتين مهمتين :
الأولى , أن موازين القوى العالمية تتغير بسرعة وبثبات باتجاه انزياح الهيمنة الأميركية على القرار الدولي ونحو استعادة نظام عالمي متعدد الأقطاب وأكثر توازناً .
الثانية , أن الموافقة الأميركية على المشاركة الروسية في لجنة التحقيق الدولية المعنية باستخدام السلاح النووي في سورية ليست تنازلاً أو خضوعاً أميركياً مجانياً , ولا هي بادرة حسن نية أو بادرة اتزان سياسي أميركي مفاجىء , بل هي مقدمة لكمين يجري الإعداد له , وبحيث تستبق أميركا بالموافقة على المشاركة الروسية محاولتها القادمة دون شك لتوسيع مهمة هذه اللجنة على كامل الأراضي السورية , وبما يسمح بالسير مجدداً في النموذج العراقي للجان التحقيق إياها , والتي أودت في ما بعد إلى احتلال العراق وتدميره وقتل شعبه بذريعة امتلاكه أسلحة كيميائية للتدمير الشامل .
لم يعد بان كي مون كأمين عام للمنظمة الدولية مناسباً لهذه المكانة في المعادلات الدولية الجديدة وهو لم يكن مناسباً قبلها ولم يستوعبها حين حلت , ولم يعد أمام الولايات المتحدة من بد في الاعتراف أنه بات عبئاً عليها أكثر مما هو خادم مطيع !!